اللاجئات الحوامل: ولادة من الخاصرة
ساندي الحايك
صبيحة كل يوم، تخرج النازحة السورية عتاب مظلوم من خيمتها الصغيرة لتمشي بين بساتين الليمون في المنية، هي الحامل بشهرها السابع، والتي نصحها الطبيب المعاين بأن «تكثر من المشي صباحاً، لما فيه فائدة لصحة الجنين».
عتاب مثل كثيرات من اللاجئات السوريات، يتملكهن الخوف من إلحاق الأذى بصغارهن، أو عدم تمكنهن من تأمين الرعاية الصحية اللازمة لهم، ولا سيما في ظل تقلص المساعدات المقدمة لهن، من الجمعيات الإغاثية وعلى رأسها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، الامر الذي يؤدي الى تدهور تدريجي لصحتهن. وفي الإحصاءات فإن نحو 20 في المئة بين حالات الحمل لدى اللاجئات السوريات هي ولادات مبكرة، و10 في المئة حالات إجهاض عمدي، وحوالي 40 في المئة من النساء تعاني بعد الولادة مضاعفات.
الجمعيات الخيرية
وبحسب المسؤول عن مخيم المنية للنازحين السوريين، أحمد مظلوم فإن «الجمعيات الخيرية المحلية هي التي تعنى بالاهتمام بأوضاع اللاجئات السوريات الحوامل، والأطفال معاً. تقوم تلك الجمعيات بالتنسيق مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، برفع التقارير لها عن حالات النساء والأطفال الذين يحتاجون لرعاية صحية طارئة. أما أعضاء المفوضية فلا تطأ أقدامهم أرض مخيمنا البتة». ويضيف «لو لم تقم الجمعيات الناشطة محلياً في المنية وعكار على شملنا برعايتها، لما بقي الكثير من الأطفال على قيد الحياة. إذ إن الكثير من بيننا لم تكن أسماؤهم مدرجة على لوائح المفوضية العليا، ولم نكن نستفيد من خدماتها الغذائية حتى». تقاطعه مريم وهي تجر كرسيها البلاستيكي الصغير. تعدّل جلستها عليه وتقول: «معاناة النازحات الحوامل أكبر من أن تختصر بكلمات. الكثيرات من بيننا اضطررن إلى الإنجاب داخل الخيم من دون مساعدة قابلة قانونية. اختي واحدة منهن. أذكر يوم أنجبت صغيرها هلال، كيف تجمعت النسوة حولها وبدأت كل واحدة منهن تهم لمساعدتها بحسب ما اكتسبته من معلومات حول الإنجاب».
أما سمر ابنة الثامنة عشرة ربيعاً، والتي احتفل أبناء المخيم بعرسها منذ شهر تقريباً، فتلفت: «نظراً للظروف الصعبة التي نعيش فيها، نصحني طبيب في إحدى الجمعيات الخيرية بأن أمتنع عن الحمل قبل عودتنا إلى سوريا. لكنه لم يؤمن لي دواء منع الحمل». في حين تروي فاتن التي مضى على وجودها في المخيم أربع سنوات، قصة هروبها تحت قصف البراميل المتفجرة في حلب بتأثر واضح. تقول «حينها كنت حاملاً في شهري السابع. وصلت إلى لبنان بعدما أمضيت نحو أربع ساعات وأنا أمشي قبل أن أعبر الحدود اللبنانية-السورية، ما تسبب لي بنزف ووجع حادين. وعلى الفور أنجبت «أمجد». وكلما أنظر في عينيه البنيتين اليوم، أتذكر تلك اللحظات المخيفة من حياتي».
مخاطر
ويوضح الطبيب النسائي عبد الوهاب خضر الذي يعالج اللاجئات السوريات في مستوصف المنية أن «الولادة داخل المخيمات أو في المنازل من دون مساعدة قابلة متدربة، تحيطها مخاطر كثيرة. إذ يشكل الازدحام، وقلة شروط النظافة الصحية، مخاطر حقيقية على النساء الحوامل، أبرزها انتشار الإسهال المائي في أوساطهن. بالإضافة إلى أن الأم والجنين يكونان بحالة صحية حساسة ودقيقة بعد الولادة وتحتاج إلى رعاية فائقة». ويتابع: «لقد سجلنا العديد من حالات التهاب المسالك الإنجابية بينهن، وجزء من ذلك يعود إلى غياب خدمات الرعاية خلال الفترة السابقة للولادة، كما قلة الحصول على خدمات دورات المياه، وانعدام النظافة الصحية، فضلاً عن الفقر في الحمية الغذائية. إذ إن الكثير من اللاجئات لا تستطعن تأمين نوعية جيدة ومتنوعة من الأطعمة الأساسية لهن، ما يسهم في تأخر النمو الطبيعي لديهن ولدى أطفالهن خلال فترة الحمل». وعليه يشير خضر إلى أن «الخدمات المقدمة للنازحات السوريات من حيث الرعاية الصحية لا بأس بها، إلا أن بعضهن لا يقمن بمتابعة أمورهن الصحية عن قصد أو غير قصد، ولجهلهن أحياناً بأهمية ذلك. في حين يشدد جميع الأطباء المعاينين على ضرورة التزام النساء بمواعيد المراجعات الصحية، فضلاًّ عن السعي لعدم الإنجاب، نظراً لكونهن يعشن ظروفاً صحية مأسوية ستتسبب في تعرّض الأطفال لأمراض كثيرة معدية وخطيرة. ولاسيما مع تضاعف أعداد الصغار من اللاجئين المصابين بالجرب، القمل، والصفيرة والوباء الكبدي. إلا أن قليلات منهن من يلتزمن بتعليمات الأطباء».
التكلفة المرتفعة
بدوره يؤكد المسؤول الصحي في ائتلاف الجمعيات الخيرية في عكار محمد زكريا أن «معاناة النساء الحوامل من اللاجئات السوريات تتزايد بسبب التكاليف المالية التي تكون سبباً في عدم نقل المرأة الحامل إلى المستشفى للمعالجة. فالرعاية السابقة للولادة في مستشفيات البلد باهظة جداً حتى بالنسبة للكثير من اللبنانيات من أبناء المنية وجوارها. على المرأة أن تدفع بأقل تقدير ما يعادل الـ20 دولاراً أميركياً فقط لزيارة الطبيب، في حين تغطي مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حالياً 75 في المئة من تكاليف الولادة لدى اللاجئات السوريات، وذلك بصرف النظر عن وضعهن القانوني في التسجيل. بينما كانت في فترات سابقة تغطي النفقات كاملة. كما أن الهلال الأحمر القطري كان يعمل على تغطية 15 في المئة من النقفة المتبقية، إلا أنه توقف عن ذلك منذ مدة. وعليه فإن نسبة الـ25 في المئة المتبقية، تعد مبلغاً باهظاً بالنسبة للعديد من عائلات اللاجئين، ونحن نعمل في هذا الصدد على تغطيتها بالتنسيق مع الهيئة الطبية الدولية».
ويروي زكريا عن حالة «لم تتمكن فيها اللاجئة من تسديد المبلغ المتبقي أي نسبة الـ25 في المئة، فلم يُسمح لها بدخول المستشفى. وأخرى قامت خلالها إدارة المستشفى بمصادرة البطاقة الخاصة باللاجئة، وهو ما يعني حرمانها من الحصول على القسائم الشرائية الممنوحة من الأمم المتحدة إلى حين سدادها لفاتورة المستشفى». ويضيف: «نظراً لأننا نشطنا على خط تأمين المساعدات للنازحات منذ بدء الأزمة السورية نعي جيداً حقيقة أوضاعهن. ولا يمكنني إلا أن أجزم أنها تتدهور تدريجيا نتيجة لعوامل شتى أبرزها تقلص المساعدات. وبحسب الإحصاءات فإن نحو 20 في المئة بين حالات الحمل لدى اللاجئات السوريات هي ولادة مبكرة، و10 في المئة حالات إجهاض عمدي، وحوالى 40 في المئة من النساء تعاني بعد الولادة مضاعفات أكثرها شيوعاً النزف الحاد، ضعف المناعة وآلام شديدة بالبطن، بسبب عدم تلقيهن أي رعاية مسبقة للولادة منذ وصولهن إلى لبنان». والى جانب كل تلك المشكلات، يلمح زكريا إلى مشكلة الواقع القانوني للمولود الحديث. حيث يشكل الاستحصال على أوراق ثبوتية للمولود الجديد من أبناء اللاجئين السوريين تحدياً. ويقول: «نسعى مع عدد من الجمعيات من خلال فريق عمل متخصص إلى تسجيل الأطفال عند ولادتهم، والاستحصال لهم على أوراق من المستشفيات التي يولدون فيها، إلى أن يصار بعدها لإنجاز أوراقهم الثبوتية في سوريا حين تسمح الظروف بذلك.»
No comments:
Post a Comment