خرائط توزيعات اللاجئين: لبنان مخيّم كبير
علي فاعور - باحث
بالعودة إلى منتصف عام 2013، كان لبنان البلد الوحيد الذي لم يضع أية شروط على استقبال اللاجئين، وذلك بعد تشديد القيود على المعابر في بعض البلدان، لعدم القدرة على الإستيعاب لأسباب أمنية، أو السماح لعدد محدود من السوريين بالعبور.
مع تزايد تدفقات اللاجئين بعد مضي أكثر من سنتين على بدء الأزمة، وفي تلك الفترة من الصراع، دعت منظمة هيومان رايتس ووتش المدافعة عن حقوق الإنسان، إلى التوقف عن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وشددت على ضرورة فتح الحدود، وإستقبال الحالات الإنسانية، وأشارت إلى أن لبنان هو البلد الوحيد الذي ما زال يتبع سياسة الحدود المفتوحة مع السوريين.
1 - على الأرض : تحوّل لبنان إلى مخيّم كبير(1)
مع تزايد عدد اللاجئين السوريين، وفي المقابل إرتفاع عداد التسجيل لدى المفوضية العليا للاجئين بالآلاف أسبوعياً، وعندما وصل عددهم إلى نحو مليون لاجئ في نيسان عام 2014، حيث كان أكثر من نصفهم من الأطفال(2) (نحو 520,000 طفل)، أدركت المفوضية العليا أن لبنان، البلد الصغير بمساحته وعدد سكانه، قد بات في وضع كارثي، وهو مهدد بالإنهيار، "ان تدفق مليون لاجئ، مسؤولية ضخمة في أي بلد، فكيف بلبنان دولة صغيرة تعاني من صعوبات داخلية، إنه لتأثير مذهل"(3)، هذا ما قاله المفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة.
وبعد أربع سنوات من بدء الصراع في سوريا، أصبح لبنان في "وضع كارثي"، فهو البلد الأعلى في جميع أنحاء العالم، من حيث نسبة عدد اللاجئين إلى عدد السكان المحليين، وكذلك من حيث كثافة اللاجئين بالنسبة لمساحة الأرض الصغيرة، وهو يكافح من أجل مواكبة الأزمة التي لا حلول لها في الأفق القريب.
إن عدد اللاجئين قد بات يساوي (نهاية عام 2014)، نحو ثلث سكان لبنان، وذلك مع أكثر من 350 لاجئاً سورياً، لكل 1,000 مواطن لبناني. وبرغم التدابير التي إتخذتها الحكومة اللبنانية، حيث تم وضع معايير جديدة لإستقبال النازحين في الحالات الإستثنائية، وبداية تطبيقها في 5 كانون الثاني 2015، الا ان حركة الدخول لا زالت مستمرة برغم انخفاضها، وهذا ما تبينه أرقام التسجيل لدى المفوضية العليا للاجئين، حيث بلغ العدد نحو 1,158,995 لاجئ في نهاية عام 2014، ليعود ويرتفع ليبلغ 1,173,552 في 19 شباط عام 2015.
لقد ترافقت حركة النزوح إلى لبنان، مع تطوّر أحداث الأزمة السورية، وتصاعد حدة المعارك، ثم توسع المواجهات، لتشمل كل المحافظات السورية، فقد بلغ عددهم نحو 6,290 شخصاً في
27/1/2012، ثم ارتفع العدد تدريجياً ليبلغ 25,411 شخص في 29/6/2012، أما في نهاية العام نفسه، فقد ارتفع العدد إلى 130,000 شخص.
وفي نهاية العام 2013، بلغ عدد النازحين إلى لبنان نحو 805,835 شخصاً، ليعود ويرتفع بحسب بعض التقديرات الرسمية في لبنان، إلى قرابة مليون ونصف المليون نازح في نهاية عام 2014(4).
ويتبيّن أن العدد قد بلغ النصف مليون، أو 500,723 نازحاً بتاريخ 3/7/2013، وبحسب سجلات المفوضية العليا، فقد تجاوز العدد عتبة المليون نازح بتاريخ 3 نيسان 2014، أما عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية فقد تخطى عتبة المليون نازح بتاريخ 6/5/2014، حيث بلغ عددهم 1,000,831 نازحاً، لكن العدد الفعلي كان أكبر بكثير، بحيث أن نسبة كبيرة من الذين غادروا سوريا، لم يتسجلوا لدى المفوضية العليا (5).
كما أن عدداً آخر من النازحين، قد عبروا الحدود إلى الأراضي اللبنانية بطرق غير شرعية، وهم لا يملكون الأوراق الثبوتية اللازمة، أو بداعي الخوف من ملاحقتهم لأسباب أمنية.
هذا بالإضافة إلى أعداد كبيرة من المهاجرين السوريين، وخصوصاً من المسيحيين، الذين لا تشملهم أية بيانات حول قيود النازحين.
كما أن ضخامة المشكلة ليست في الأرقام العامة، بل أيضاً في التوزيعات المكانية للنازحين، الذين بات عددهم يفوق عدد السكان المحليين في العديد من المناطق، ففي البقاع مثلاً يقيم نحو 13 في المئة من مجمل سكان لبنان، لكنه يضم اليوم أكثر من ثلث عدد النازحين (35,2 في المئة) ، البالغ 408,796 شخصا، حتى نهاية 2014 (ثم ارتفع العدد ليبلغ 411,327 لاجئا في تاريخ
19/2/2015)، أو 93,087 أسرة، تليه منطقة بيروت وجبل لبنان، التي تضم 28,3 في المئة، والشمال 24,7 في المئة.
2- تدفقات النازحين: بين 2012 و 2013 و 2014
إن تدفقات النازحين مستمرة، ففي نيسان عام 2012، كان هناك 18,000 لاجئ سوري في لبنان، وفي نيسان 2013، كان هناك 356,000، وفي نيسان عام 2014، بلغ العدد أكثر من مليون، والآن في نهاية 2014، ارتفع العدد إلى نحو 1,5 مليون. وفي كل يوم، تسجل المفوضية في لبنان نحو 2,500 لاجئ جديد: أي أكثر من شخص واحد كل دقيقة، وهي معطيات واضحة من خلال الخرائط التي نشرتها المفوضية العليا، والتي تبيّن ضخامة تدفقات النازحين، وإنتشارهم السريع في كامل الأراضي اللبنانية(6).
لقد شهدت البلاد أزمات اقتصادية إجتماعية خطيرة بسبب الصراع في سوريا، بما في ذلك إنخفاض في عائدات التجارة، والسياحة والاستثمار، وزيادة في النفقات العامة، بينما الخدمات العامة تكافح لتلبية الطلب المتزايد، كما تراجعت مستويات الصحة، والتعليم، والكهرباء، والمياه، والصرف الصحي بشكل خاص.
ويقدر البنك الدولي أن الأزمة السورية كلفت لبنان 2,5 ملياري دولار في تراجع النشاط الاقتصادي خلال عام 2013، وأدت إلى هبوط مستوى المعيشة لنحو 170،000 من اللبنانيين الذين باتوا في مستوى الفقر بحلول نهاية 2014، حيث تنخفض الأجور، وتكافح الأسر من أجل تغطية نفقاتها.
3 - الإختلال في التوازن
على مستوى المناطق
في نشرة العمل الإنساني، الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا)، يتبيّن في تقويم الوضع اللبناني، أن عدد اللاجئين الذين يستضيفهم لبنان، بات يفوق عدد السكان اللبنانيين المضيفين، على مستوى المناطق اللبنانية، وذلك كما يلي(7):
أرقام (15 تموز 2014)
¶ عدد اللاجئين السوريين: 1,126,131 (ارتفع العدد ليبلغ 1,178,038 لاجئاً في 2 آذار 2015).
¶ عدد اللبنانيين العائدين: 17,510.
¶ عدد اللاجئين الفلسطينيين من سوريا: 52,355.
¶ عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان: 270,000.
¶ عدد السكان اللبنانيين المضيفين المستهدفين: 1,500,000.
هذه واحدة من نشرات العمل الإنساني، التي توضح بالأرقام أن عدد اللاجئين في لبنان، على تنوّعهم، بين سوريين وفلسطينيين وغيرهم، بات يفوق عدد السكان المضيفين، وأن مساحة الإختلال في التوازن بدأت تتسع لمصلحة اللاجئين في بعض المناطق، حيث يتواصل تزايد عدد المخيّمات غير الرسمية، والتي تقيمها دون الرجوع إلى الدولة، وتشرف عليها بعض الهيئات والجمعيات، وبخاصة في بلدات سهل البقاع الأوسط، حيث يزيد عدد المخيمات العشوائية على 700 مخيم، وكذلك في منطقة عكار (300 مخيّم)، بحيث تدهورت العلاقة نتيجة "تفاقم مستويات التوتر بين المجتمعات المضيفة واللاجئين، مع تزايد تهديدات الإخلاء، وحالات الإخلاء شهرياً...".
هذا بينما تؤكد النشرة أيضاً، أن نقص التمويل هو سبب التشنجات القائمة لعدم كفاية التقديمات والخلل في تحديد الأولويات، ثم توزيع القسائم الغذائية على فئة من اللاجئين، وحرمان اللبنانيين ذوي الحاجات المماثلة منها، والأسر اللبنانية التي تعيش تحت خط الفقر، سواء بالنسبة للرعاية الصحية، أم التقديمات الغذائية والتجهيزات، حيث تبرز الإنقسامات والتنافس في فرص العمل، ذلك أن حاجات التمويل تتطلب 1,69 مليار دولار، وأن نسبة التمويل المتوفرة تكاد تبلغ 29 في المئة فقط؟
لقد أصدر صندوق الأمم المتحدة للسكان تقويماً مرجعياً عام 2013، حول وضع الشباب اللبناني، المتأثر بالأزمة، والعلاقة مع اللاجئين، إذ تبيّن فقدان التماسك الإجتماعي، بحيث يشعر اللبنانيون "بأن اللاجئين يهددون قيم نظامهم، ويستفيدون بطريقة غير متكافئة من المساعدات الإنسانيّة"(8). وهذا ما دفع منسق الشؤون الإنسانية للقول "من المطلوب بذل جهود حثيثة لمساعدة الشبّان اللاجئين السوريين، والشبان اللبنانيين، على النفاذ الأساسي إلى الفرص، ولإرساء علاقات جديدة قائمة على الإحترام"(9).
■ حلقة أخيرة السبت المقبل
هوامش:
(1) الكاتب جهاد الزين: "كلُّ لبنان مخيّم سوري"، في مقالة معبّرة لوصف المشهد اللبناني، وقراءة الخريطة الجغرافية بكل أبعادها الإنسانية والديموغرافية، "لكن الحصيلة هي أن لبنان أصبح كلّه مخيّماً للنازحين السوريّين". جريدة "النهار"، تاريخ 19/ 11/ 2013.
(2) عدد الأطفال في سن المدرسة، هو أكثر من 400,000 طفل، متفوقا على عدد الأطفال اللبنانيين في المدارس العامة.
(3) أنطونيو غوتيريس، المفوض السامي لشؤون اللاجئين للأمم المتحدة؛
(4) أما برأي المنظمات الدولية والجمعيات الأهلية، ومنها "إئتلاف الجمعيات الخيرية لمساعدة اللاجئين"، فإن الرقم الحقيقي، أعلى بكثير ويمكن أن يبلغ 1,7 مليون لاجئ في نهاية 2014.
(5) أكد بيان المفوضية العليا يوم الخميس في 3 نيسان 2014، أن عدد النازحين إلى لبنان منذ بداية الأزمة السورية، قد بلغ رقم المليون لاجئ، وهو ما يمثل نحو ربع سكان لبنان، البالغة مساحته نحو 10,400 كم2، كما "يستقبل لبنان نحو 2500 لاجئ يومياً، أو أكثر من نازح واحد كل دقيقة".
(6) المفوضية العليا للاجئين، أنظر خرائط التسلسل الزمني، لتزايد عدد اللاجئين في لبنان، بين 2012 و 2014.
(7) راجع: مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، نشرة العمل الإنساني، "تزايد الاحتياجات السورية والآثار المترتبة على لبنان" لبنان، 1 حزيران - ۱٥ تموز 2014. (www.unocha.org).
(8) نشرة العمل الإنساني، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، تزايد الاحتياجات السورية والآثار المترتبة على لبنان، العدد 3، صفحة 4، تاريخ 15/7/2014. www.unocha.org).
(9) المصدر السابق نفسه، روس ماونتن، منسق الشؤون الإنسانية عند نشر التقرير، ص 4.
No comments:
Post a Comment