بيار عطاالله
ليس سهلاً أن يعيل رب عائلة عائلته في لبنان وسط تكاليف الحياة المتراكمة والباهظة، فكيف اذا كان المرء يتولى اعالة 3000 عائلة مهجرة خرجت من بلادها في العراق ولا تحمل سوى الاوراق الثبوتية والقليل من الثياب والكثير من الاحباط والرعب والخشية من تجارب الماضي والحاضر والمستقبل الغامض الذي تخبئه الايام؟
يبدو المطارنة ورؤساء الهيئات والجمعيات من كلدان وسريان وآشوريين، المسؤولون عن الطوائف المسيحية العراقية والسورية المهجرة، كمن يغرد خارج سرب رجال الدين والعلمانيين المسيحيين اللبنانيين الذين لا تكترث غالبيتهم لمصير اخوتهم في الدين، ولا شيء يربطهم بما يجري في سوريا والعراق من تهجير وقمع وقتل وتطهير عرقي سوى الخشية أن تصل الموسى الى ذقنهم. ويكفي الاطلاع على لائحة التبرعات للاجئين ليتبين أن نسبة المسلمين من بينهم تكاد تتجاوز نسبة المتبرعين المسيحيين.
وفي مسيرة دروب اللجوء والتهجير الطويلة التي تبدأ من سهوب في أقليم نينوى موطن الاقليات الايزيدية والمسيحية، ومنه الى أربيل في شمال العراق ثم العاصمة العراقية، وانتهاء بمطار بيروت حيث يحصل اللاجئون على تأشيرة سياحية لمدة شهرين، يقوم بعدها اللاجئ بالحصول على بطاقة لجوء من الامم المتحدة توفر له الحد الادنى من الحماية القانونية، الى بطاقة أخرى توفّرها المرجعيات الدينية، ومنها واحدة تقدمها أبرشية بيروت الكلدانية للتعريف والشفاعة لدى الاجهزة الامنية في حال توقيفه عند أحد الحواجز. وغالباً ما تجدي مراجعات المطارنة والجمعيات في الحد من كأس الابعاد الى العراق مرة جديدة.
تشير الاحصاءات الى وجود زهاء 1000 عائلة سريانية مهجرة من العراق وسوريا، ويقول مطران الكلدان ميشال قصارجي إن لديه ثلاثة آلاف عائلة كلدانية من ضمنها 2500 طالب يحتاجون الى ملايين الدولارات من المساعدات الغذائية والتربوية والصحية والسكنية، اضافة الى الارشاد الروحي والاجتماعي وتأمين الوظائف، والأهم المساعدة القانونية. والامر لا يقتصر على المسيحيين، بل ان هناك عائلات ايزيدية لاجئة الى لبنان وأخرى شيعية تتولى الكنائس والجمعيات مساعدتها. لكن تلك ليست نهاية المطاف، فالمتطوعون للعمل الاجتماعي أعجز من أن يؤمنوا كل متطلبات العائلات التي يزداد عددها تدريجاً مع استعار الحرب على القرى الآشورية في شمال شرق سوريا ومع تأخر التحالف الدولي والاكراد والدولة العراقية في تحرير أقليم نينوى الحاضنة الاكبر للمسيحيين والاقليات في العراق، والذين تشير الارقام المتوافرة الى أن عددهم لا يتجاوز 350 ألفاً حالياً، بعدما كانوا أكثر من مليون عشية الغزو الاميركي للعراق.
ووسط كل هذه الاعداد المهاجرة والمتراكمة، يبدو لبنان محطة انتظار على دروب الهجرة الطويلة للاقليات المشرقية في مسيرتها نحو كندا واوستراليا والولايات المتحدة وشمال اوروبا، بعيداً من الشرق وصراعاته التي لا تنتهي. والمفارقة التي يرويها قصارجي، أن جميع اللاجئين يريدون الهجرة ولا يكترثون لكل عناوين العيش المشترك وحفظ التاريخ والجغرافيا. وان من هاجر سابقاً يشكل حافزاً لمن تبقى في العراق وسوريا ولبنان على البحث عن سبل الهجرة، وخصوصاً أنهم يحصلون على وظائف وضمان اجتماعي، والاهم هو الامان والطمأنينة في المهاجر، على نقيض الوضع الصعب الذي عاشوه في العراق أو الذي يعانونه حالياً في لبنان. لكن المفاجأة لدى قصارجي أن ثمة اربع عائلات عراقية مسيحية عادت الى العراق الاسبوع الفائت بعدما ضاقت ذرعاً بالانتظار والاذلال على ابواب السفارات الغربية.
ويقول قصارجي، إن الاهم هو الدعم الانساني أمام حجم الماساة التي يتعرض لها مسيحيو العراق وسوريا "لأن الجرح كبير جداً والالم كبير والامكانات محدودة أمام حجم ما يجري، سواء صحياً أو تربوياً أو لجهة تأمين الوظائف والمسكن". ويشدد على أن المطلوب من الدولة اللبنانية، التنسيق مع الدولة العراقية في مسائل التربية والصحة وتأمين التمويل للحاجات الطبية لآلاف المهجرين، فبعضهم يموتون بسبب عدم امكان معالجتهم.
No comments:
Post a Comment