عن أطفال سوريين لا يعرفون بلدهم
مها حطيط
يشتاق عبد الهادي الى العودة الى بلده ليلعب مع رفاقه، يكرر كلمة اللعب أكثر من مرة في حديثه وهو يستذكر سوريا التي تركها قبل حوالى عامين.
ابن العشر سنوات، لايعرف اليوم ماذا يحصل خلف الجبال، يعيش في مخيم في منطقة البقاع مع أهله وينتظر اليوم الذي يعود الى بيته ومدرسته ورفاقه.
عبد الهادي واحد من جيل سوري بكامله أصبح بلدهم مجرد حكاية قديمة وذكريات وأغان. عند سؤالهم عن ماذا يذكرون من بلدهم يبدأون بغناء: «جنة جنة جنة.. جنة يا وطنا..» كأن هذه الأغنية باتت نشيدا لوطنهم الذي تركوه صغارا ولا يعرفون موعد العودة اليه.
بحسب مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين ، في لبنان نحو 470 ألف طفل سوري لاجئ يعيش معظمهم في مخيمات بعد ان هربوا من بلدهم بسبب الحرب الدائرة فيها، هذا عدا العدد غير المسجل رسميا ما يعني أن هناك جيلا سوريا جديدا يكبر بعيدا عن وطنه ،إضافة الى الاطفال السوريين الذين ولدوا في لبنان ودول اللجوء كتركيا والاردن.
هذا الواقع يمكن تلمسه بسهولة عند زيارة مخيمات اللاجئين حيث الأكثرية هم الاطفال دون سن الثامنة عشرة بعد ان انخرط معظم الشباب السوري في الحرب السورية. أطفال من عمر الأشهر الى عشر سنوات يعيشون في خيم مع عائلاتهم التي فقدوا أفرادا منها.
يقول لؤي ابن التسع سنوات انه اشتاق أن يلعب بالثلج مع رفاقه. ويشرح بكثير من الحنين كيف كانت حياته قبل ان تضطرهم ظروف الحرب الى ان يغادروا بيتهم وبلدهم:«اعتقدنا اننا سنعود سريعا لكننا هنا منذ ثلاث سنوات ولا زلنا ننتظر».
أما براءة ابنة الخمس سنوات فحديثها كله عن البستان أمام منزلهم وعن المشمش الذي كانوا يزرعونه. تقول انها اشتاقت لبيتها الكبير وللعب في البستان دون ان تعرف ان كلماتها تسببت ببكاء أمها التي تستمع اليها وتبكي، خصوصا انها، أي الأم، مقتنعة ان العودة باتت بعيدة وان الذكريات هي كل ما بقي لها ولعائلتها.
يتأقلم الاطفال مع واقعهم الجديد أسرع من الكبار الذين يدركون حجم الكارثة التي وقعت ببلدهم. في مخيم اللاجئين في بر الياس في البقاع تحاول بعض المنظمات الانسانية مساعدة الاطفال وتقديم مساعدات نفسية وتربوية. يقصد الاطفال خيمة في المخيم يطلقون عليها اسم المدرسة حيث الاساتذة سوريون والمنهج سوري وذلك في محاولة لتعويض الاطفال ولو بطريقة غير رسمية عن سنوات الدراسة الضائعة. ورغم جو المرح والابتسامات المرسومة على وجوه الاطفال فإن عيونهم تحكي عن حنينهم الى حياتهم السابقة. يخبرنا احد الاطفال عن مدرسته وعن أصدقائه الذين تركهم ولا يعرف شيئا عنهم، تدمع عيناه عند سؤاله عما يشتاقه في سوريا ويقول لنا إنه يشتاق كل شيء وخصوصا مدرسته.
قليلون الذين تحدثوا في السياسة، فهم لا يشاهدون الاخبار وقلة من العائلات تملك تلفازا لكنهم يحفظون أغاني الثورة السورية ويعرفون كل أغنية من أية منطقة ولمن مهداة وبالنسبة اليهم المعادلة بسيطة: جيش النظام السوري قصف بيوتهم وشردهم منها.
يعتبر هؤلاء الاطفال محظوظين في حال مقارنتهم مع الاطفال السوريين الذين فقدوا حياتهم او أجزاء من أجسادهم او أفرادا من عائلاتهم. هم محظوظون لانهم يعيشون مع أهلهم ولو في خيمة لا تقيهم برد الشتاء ولهيب الصيف لكنهم محظوظون. يحلمون بالغد وبيوم يعودون فيه الى بيوتهم دون ان يعرفوا ماذا يحصل في سوريا بعد ان تركوها. هم محظوظون لانهم على قيد الحياة بعد ان أدت الحرب في سوريا الى مقتل مئات الآلاف عدا الدمار الكبير الذي أصاب المدن السورية.
No comments:
Post a Comment