الحكومة تفرج عن تقرير المفقودين: هل يتضمّن معطيات جدية؟
سعدى علّوه
لم تكن رئيسة «لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين» وداد حلواني تحمل صندوقاً بملفات عادية نهاية الأسبوع المنصرم أمام السرايا الحكومية في بيروت.
حملت حلواني ثمرة من ثمار 32 عاماً من نضال آلاف العائلات اللبنانية والفلسطينية التي فقدت أبناءها وأحباءها خلال الحرب الأهلية.
الأهم، أن اللجنة انتزعت الملفات من الحكومة، بعدما قال القضاء الإداري كلمته عبر مجلس شورى الدولة، وكرّس حق ذوي المفقودين بالمعرفة، بعدما بنى على حيثيات هامة، ومنها وجوب مناهضة التعذيب الذي يتعرّض له ذوو المفقودين، على اعتبار عدم معرفتهم بمصير أحبتهم بمثابة تعذيب.
ويتعلق حكم «الشورى» بالتقرير الذي أعدّته اللجنة التي كلفت التحقيق في قضية المفقودين والمخطوفين في العام 2000، وتمنع مجلس الوزراء عن تسليم التقرير كاملاً إلى الجهة المستدعية، وبالتالي عدم الاعتراف بحق ذوي المفقودين بمعرفة مصير ذويهم. وكانت جمعيتا «أهالي المفقودين والمخطوفين» و«دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانييين `ـ سوليد» قد تقدّمتا بدعوى إلى مجلس شورى الدولة عبر وكيلهما المحامي نزار صاغية الذي تسلّم التقرير من رئيسة مصلحة الديوان في رئاسة مجلس الوزراء ميرفت عيتاني قبل ظهر السبت الماضي.
وإذا كانت حلواني التي بدأت النضال عبر لجنة ذوي المفقودين والمخطوفين قبل 32 عاماً من اليوم، قد وصفت ما حصل بـ«المحطة التاريخية، وخطوة أولى نبني عليها للوصول إلى معرفة مصير أبنائنا»، آملة أن تتضمّن «معطيات جدية تفيد الحقيقة»، فإن الموت ومرور السنوات الطويلة من الإهمال الرسمي لقضية المفقودين وإطالة عذابات ذويهم، لم يترك العديد من الأهالي ليعيشوا هذه اللحظة.
عليه، عندما سيحتفل الأهالي في اعتصام الخميس المقبل بتسلمهم ملف التحقيقات وإعلان استراتيجيتهم النضالية للمستقبل، سيفتقد رفاق النضال كل الذين قضوا انتظاراً وعذاباً. سيتذكّرون أم نبيل أبو الهيجا، الأم الفلسطينية التي ابتزها الخاطفون مادياً وهي تسعى لاستعادة ولديها، ومن ثم قتلوها في بداية الثمانينيات بعدما نفد مالها. سيفتقدون نايفة نجار التي انتحرت بعد تسعة أشهر على خطف ابنها علي (13 سنة) في العام 1984. سيصلون لروح موسى جدع الذي واظب حتى مماته على الاعتصامات مطالباً بشقيقه وابنه المفقوديْن. سيحيون ذكرى أم حسن الموسوي (فقدت ابنها)، وغزالة عميرات (ابنها أيضاً)، وأوديت سالم التي صدمتها سيارة وقتلتها لدى خروجها من خيمة اللجنة في إحدى محطات نضالاتها في العام 2009. لن ينسوا كميل شمعون، السيدة التي لم ترم صورة ابنها المخطوف إلا لحظة خروج الروح من جسدها، كما أم محمود حرب وأمينة فايد اللتين توفيتا قبل عامين. ومع هؤلاء سيضيئون شمعة لروحَي والدي عدنان حلواني، أمينة فايد ومصباح حلواني اللذين قضيا سنواتهما يتقصيان أي معلومة قد ترشدهما إلى مصيره. أما صور أبناء أم عزيز ديراوي، الشبان الأربعة فلن تغيب عن الخيمة برغم العجز الذي أصاب أمهم الثكلى. وهناك، ستكون أم تيسير أم الثلاثة شبان غطت صورهم بطبقة بلاستيكية كي تصمد ملامحهم أمام الزمن، وبينهم صغيرها الذي لم تحمه سنواته الـ13 من الخطف. هذا عدا عن مئات الأسماء والعائلات التي لا مجال لذكرها هنا.
وعبر انتزاع ملف تحقيقات العام 2000 من الحكومة التي مانعت طويلاً في تنفيذ حكم مجلس شورى الدولة، يكون المجتمع المدني قد سجل اختراقاً ليس عبر نجاح اعتماد التقاضي الاستراتيجي الذي يطبع العديد من النضالات المدنية الحديثة فحسب، إنما في تمكن المجتمع المدني من إرغام الدولة على تنفيذ حكم القضاء عبر الاعتصام الأسبوعي المستمر وتأكيد روحية حكم «الشورى» بحق ذوي المفقودين بمعرفة مصير أحبتهم. وكان المجتمع المدني ممثلاً بـ«لجنة أهالي المفقودين» و«سوليد» و«المفكرة القانونية» و«لنعمل من أجل المفقودين»، قد أطلق الخميس الماضي حراك «من حقنا نعرف»، الذي أثمر تسليمهم الملف. وكان مقرّر لجنة حقوق الإنسان النيابية غسان مخيبر، تقدّم إلى الحكومة بسؤال خطي رسمي عبر مجلس النواب، طالب فيه بوجوب تنفيذ قرار مجلس شورى الدولة «النهائي والمبرم».
ويكتسب تسليم الحكومة «لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين» و«سوليد» تقرير العام 2000 أهمية كبرى، بعدما كانت الدولة لم تكتف بطلب وقف تنفيذ حكم مجلس الشورى بتسليم ذوي المفقودين والمخطوفين والمنفيين كامل الملف المتعلّق بقضيتهم، كما طالبت بإعادة المحاكمة من أساسها.
وكجواب على استئناف الدولة الحكم، عاد القضاء وأثبت حساسية كبيرة تجاه قضايا المواطنين، وخصوصاً الفئات المهمّشة، عبر قراره رد طلب الدولة اللبنانية، ممثلة بهيئة القضايا في وزارة العدل، وقف تنفيذ الحكم الصادر بحقها (بحق الدولة) لمصلحة الجمعيتين.
وكان مجلس شورى الدولة يومها أدخل إلى القضاء مفهوم حق معرفة ذوي المفقودين مصير أحبتهم وأقاربهم، في الوقت الذي تنكرت له جميع المؤسسات الرسمية اللبنانية من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب، طوال ثلاثة عقود ونصف على انتهاء الأعمال الحربية للحرب الأهلية.
وألزم المجلس الحكومة بتسليم ذوي المفقودين التقرير للإطلاع على المعلومات والتحقيقات المتعلقة بملف أبنائهم وأحبـائهم، مسقطاً حجج الدولة المتذرعة بالأمن والسلم الأهلي، ليفضل حق ذوي المفقودين بالمعرفة على ذرائع مماثلة».
واليوم، بعد تسلم ملف تحقيقات العام 2000، ستكمل لجنة أهالي المفقودين نضالها على خطين متوازيين. يتمثل الأول بإقرار اقتراح القانون الخاص بالمفقودين وضحايا الاختفاء القسري، الذي تقدم به النائبان غسان مخيبر وزياد القادري. وأكد مخيبر لـ«السفير» أن اقتراح القانون «يتضمّن تشكيل هيئة وطنية متخصّصة بحل هذا الملف الإنساني والوطني بامتياز تتمتع بالصلاحيات التي تخوّلها متابعة وإجراء التحقيقات ووضع آلية متكاملة، كما يؤكد مجموعة حقوق أساسية، أبرزها حق الأهالي في معرفة مصير المفقودين، ليتمّ لاحقاً تشكيل لجنة حقيقة وعدالة ومصالحة لتحقيق العدالة الانتقالية».
بالإضافة إلى إقرار اقتراح القانون، تبرز أهمية إقرار مجلس الوزراء لاتفاقية الصليب الأحمر الدولي التي قدمها إلى الحكومة قبل سنتين لإجراء فحوص الحمض النووي للأهالي، كإحدى آليات الوصول إلى الحق بالمعرفة.
No comments:
Post a Comment