ساندي الحايك
يبدو السجال أحياناً كما لو أنه بحث عن جنس الملائكة: هل السوريون في لبنان لاجئون أم نازحون أم ضيوف؟ هذا السجال يطغى أحياناً على ما هو أهم منه: كيف يعيش السوريون في لبنان؟ وهل تغذية العنصرية نحوهم هي الجواب الأمثل على التحدّيات والمخاطر التي ترتّبت من جراء تدفق أكثر من مليون نسمة إلى هذا البلد الصغير والمأزوم؟
في الأسبوع الماضي، ولمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التمييز، نظم المركز اللبناني لحقوق الإنسان، بالتعاون مع منظمة «هينرش بول» الألمانية، مؤتمراً عن «حقوق اللاجئين السوريين، بمن في ذلك الفئات الأكثر تهميشاً». ومثل سائر المؤتمرات المماثلة، طغى على جانب مهم من المؤتمر سجال «الصفة»، فيما دبّ الخلاف بين المشاركين على مدى «عنصرية» اللبنانيين في تعاطيهم مع اللاجئين وقضاياهم وحاجاتهم.
رأى بعض المشاركين أن «الدولة اللبنانية» تصرّ على إعطاء السوريين صفة «النازحين» تهرباً من المسؤوليات القانونية التي ترتّبها صفة «اللجوء» عليها. وقالت القاضية رنا عاكوم في المؤتمر إن «السوريين يمارسون اللجوء، إنما لا يتمتعون بصفة اللاجئ الفلسطيني». قاطعها أحد المشاركين بالقول «إن اللاجئ هو كل شخص عبر حدوداً دولية، وهو معرض لخطر الاضطهاد والموت في بلده، وبناءً عليه إن السوريين لاجئون شاء من شاء وأبى من أبى». وعند احتدام النقاش طرح أحد الحاضرين فكرة الاقتداء بالمثل التركي ووصف السوريين بالـ«ضيوف».
وقال الأمين العام للمركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر، إن الهدف من المؤتمر يتركز على إيجاد إطار قانوني واضح لحماية اللاجئين السوريين. وأوضح لـ«الأخبار» أن عدم توقيع الدولة اللبنانية على اتفاقية عام 1951 الخاصة بأوضاع اللاجئين، أتاح التعامل مع اللاجئين السوريين على أساس الصيغة التي تعاملت بها الدولة مع موجة لجوء العراقيين إلى لبنان عامي 2003 و2004. ورأى أن ما يزيد وضع السوريين تعقيداً هو تفاقم الأزمة في سوريا وتضاعف أعداد اللاجئين إلى لبنان وانقسام مكونات الدولة اللبنانية. لذلك «نجد وزيراً يريد إنشاء مخيمات خاصة للاجئين، ووزيراً يرفض».
الجمعيات وضعت 100 خط ساخن معظمها غير موجود في الخدمة
بحسب الإحصاءات التي عرضتها مسؤولة الحماية في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (unhcr)، إينّا غلادكوفا، هناك 3 آلاف لاجئ سوري يتدفقون يومياً على لبنان، وتخطى عدد اللاجئين من سوريا 931133 لاجئاً مسجلاً و49146 لاجئاً في انتظار التسجيل. وتقول غلادكوفا إن عدد اللاجئين السوريين مرجح للمزيد من الارتفاع ليشكّل ثلث عدد المقيمين في لبنان. وترى غلادكوفا أن «أولوية المفوضية تتركز على تأمين السلامة والأمن للاجئين الذين يتوزعون على 600 موقع في لبنان».
هذا اللجوء الكثيف إلى لبنان يفرض أعباءً ومخاطر جمّة، إلا أنه يؤدي إلى ظواهر شديدة السلبية تطبع المجتمع اللبناني الحاضن، وهذا ما يمكن تلمّسه من ارتفاع عدد ضحايا العنف الأسري والاستغلال الجنسي، ليس في مجتمع اللاجئين فحسب، بل في المجتمع اللبناني عموماً. تقول غلادكوفا إن المفوضية عملت على زيادة مراكز الاستشارات والتمثيل القانوني، ومراكز الاستماع والمعالجات النفسية، محصنة ذلك بمبدأ سرية المعلومات لحماية خصوصية الأشخاص. إلا أن انحدار السوريين من ثقافة لا تشجعهم على زيارة مثل تلك المراكز تعقد عمل المفوضية، في ظل وجود حالات إنسانية صعبة ومعقدة تترك آثاراً سلبية على شخصية أفرادها، وبالتالي تصعب عملية اندماجهم في المجتمع.
وباعتبار لبنان البلد الوحيد الذي ترك حدوده مفتوحة مع سوريا لاستقبال النازحين على عكس كل من الأردن وتركيا، تتالت عبارات الشكر للبلد المضيف، إلا أن المعطيات التي عرضت خلال المؤتمر فضحت مستوى الفوقية والعنصرية الذي ينتهجه معظم اللبنانيين في تعاملهم مع السوريين، ومدى الكره العميق الذي يكنه هؤلاء للسوريين كنتيجة لتسلسل الأحداث التاريخية بين البلدين وعدم حصول أي عدالة انتقالية حقيقية تعيد إنصاف الشعبين. وظهر بحسب الاستطلاعات التي استندت إليها مديرة مؤسسة «أبعاد» غيدا عيناني، أن هناك من يشترط الحصول على خدمات جنسية مقابل توظيف النساء السوريات، وتوجد شكاوى من أن أطفالاً سوريين كثراً لم يُقبَلوا في المدارس اللبنانية. كذلك سُجل امتناع مراكز صحّية عدّة عن استقبال عدد كبير من المرضى السوريين لمجرد أنهم سوريون، أو لوجود خلافات سياسية في بعض الأحيان بين موالٍ ومعارض. كذلك سجّل امتناع بعض مراكز حماية النساء من العنف عن استقبال السوريات... ويبقى المظهر الأعمّ للعنصرية في اتهام السوريين بأنهم خلف كل أنواع الجرائم والاغتصاب والسرقة التي تقع في البلاد. أضف إلى ذلك امتناع عدد من الطلاب اللبنانيين في المدارس والجامعات عن الاختلاط مع سوريين، وارتفاع نسبة الاتجار بالنساء. فضلاً عن القرار الذي فرضته بعض البلديات والذي يحظر تجوال السوريين مساءً، واتهامهم بسرقة لقمة عيش اللبناني بسبب تدني أجور اليد العاملة السورية، من دون الاعتراف بالأوضاع البائسة التي يرزح تحتها هؤلاء، والجشع المفرط الذي يسيطر على أصحاب العمل اللبنانيين، وهم المستفيدون الأبرز من تعميق الكراهية وتغذية الفوارق بين السوري واللبناني.
حديث عيناني عن العنصرية المفرطة استدعى ردّاً من أحد المحامين المشاركين في المؤتمر؛ إذ رأى أن في حديثها إجحافاً بحق اللبنانيين؛ لأنهم غير عنصريين البتة! ودعمه آخر بالقول إنّ «السوريين يستهلكون كل شيء لدى الدولة من أكل وشرب وأرض، من دون أن يقدموا أي شيء بالمقابل، سوى نشر الأوبئة والأمراض وبروز ظواهر مرضية جديدة لم يكن لبنان يعرفها من قبل». وطبعاً، صنّف المحاميان هذا الكلام بأنه غير عنصري البتّة.
لكن مشكلة التعاطي مع ملف اللجوء لا ينحصر بالعنصرية، بل هناك الفساد أيضاً، فضلاً عن التنافس الكبير وغياب التنسيق بين المنظمات، ما يسهم في إلحاق الضرر باللاجئين بنحو غير مباشر، ويؤدي إلى إمداد فئة من اللاجئين بالمواد الغذائية والخدمات على حساب فئة آخرى، بحسب عيناني، التي قالت لـ«الأخبار» إن «هناك 158 مشروعاً لدعم اللاجئين يجري تنفيذه حالياً، إلا أن التنسيق بين الجمعيات القيّمة على المشاريع شبه معدوم، فضلاً عن أن تعدد المشاريع التي تستهدف الفئات نفسها يؤدي إلى حصره في منطقة واحدة وحرمان مناطق أخرى». وفي هذا السياق، لفت مدير «ويسبرس» برتو ماسكو، إلى أن «الخطوط الساخنة التي تضعها الجمعيات في خدمة الناس تخطت الـ100 رقم، حيث سجل لكل منظمة نحو 16 رقماً، معظمها غير موجود في الخدمة، فكيف يبلغ اللاجئون عن أوضاعهم وحاجاتهم؟».
وقال الأسمر إن تدفق الأموال لإغاثة اللاجئين أدى إلى ازدياد أعداد الجمعيات بنحو مبالغ فيه، وهي قد تكون وهمية تتكاثر مثل الفطر السام، إلا أن مسؤولية مراقبتها تقع على الدولة اللبنانية التي يحق لها عبر ديوان المحاسبة أن تراقب الأموال التي تدخل لبنان، وأين تصرف ولماذا؟». وأشار الأسمر إلى أن «جزءاً من عدم تقديم الأموال للسلطات اللبنانية نفسها يعود بالدرجة الأولى إلى فقدان الثقة بالدولة وأجهزتها، ولا سيما بعد فضيحة الهيئة العليا للإغاثة».
يبدو السجال أحياناً كما لو أنه بحث عن جنس الملائكة: هل السوريون في لبنان لاجئون أم نازحون أم ضيوف؟ هذا السجال يطغى أحياناً على ما هو أهم منه: كيف يعيش السوريون في لبنان؟ وهل تغذية العنصرية نحوهم هي الجواب الأمثل على التحدّيات والمخاطر التي ترتّبت من جراء تدفق أكثر من مليون نسمة إلى هذا البلد الصغير والمأزوم؟
في الأسبوع الماضي، ولمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التمييز، نظم المركز اللبناني لحقوق الإنسان، بالتعاون مع منظمة «هينرش بول» الألمانية، مؤتمراً عن «حقوق اللاجئين السوريين، بمن في ذلك الفئات الأكثر تهميشاً». ومثل سائر المؤتمرات المماثلة، طغى على جانب مهم من المؤتمر سجال «الصفة»، فيما دبّ الخلاف بين المشاركين على مدى «عنصرية» اللبنانيين في تعاطيهم مع اللاجئين وقضاياهم وحاجاتهم.
رأى بعض المشاركين أن «الدولة اللبنانية» تصرّ على إعطاء السوريين صفة «النازحين» تهرباً من المسؤوليات القانونية التي ترتّبها صفة «اللجوء» عليها. وقالت القاضية رنا عاكوم في المؤتمر إن «السوريين يمارسون اللجوء، إنما لا يتمتعون بصفة اللاجئ الفلسطيني». قاطعها أحد المشاركين بالقول «إن اللاجئ هو كل شخص عبر حدوداً دولية، وهو معرض لخطر الاضطهاد والموت في بلده، وبناءً عليه إن السوريين لاجئون شاء من شاء وأبى من أبى». وعند احتدام النقاش طرح أحد الحاضرين فكرة الاقتداء بالمثل التركي ووصف السوريين بالـ«ضيوف».
وقال الأمين العام للمركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر، إن الهدف من المؤتمر يتركز على إيجاد إطار قانوني واضح لحماية اللاجئين السوريين. وأوضح لـ«الأخبار» أن عدم توقيع الدولة اللبنانية على اتفاقية عام 1951 الخاصة بأوضاع اللاجئين، أتاح التعامل مع اللاجئين السوريين على أساس الصيغة التي تعاملت بها الدولة مع موجة لجوء العراقيين إلى لبنان عامي 2003 و2004. ورأى أن ما يزيد وضع السوريين تعقيداً هو تفاقم الأزمة في سوريا وتضاعف أعداد اللاجئين إلى لبنان وانقسام مكونات الدولة اللبنانية. لذلك «نجد وزيراً يريد إنشاء مخيمات خاصة للاجئين، ووزيراً يرفض».
الجمعيات وضعت 100 خط ساخن معظمها غير موجود في الخدمة
بحسب الإحصاءات التي عرضتها مسؤولة الحماية في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (unhcr)، إينّا غلادكوفا، هناك 3 آلاف لاجئ سوري يتدفقون يومياً على لبنان، وتخطى عدد اللاجئين من سوريا 931133 لاجئاً مسجلاً و49146 لاجئاً في انتظار التسجيل. وتقول غلادكوفا إن عدد اللاجئين السوريين مرجح للمزيد من الارتفاع ليشكّل ثلث عدد المقيمين في لبنان. وترى غلادكوفا أن «أولوية المفوضية تتركز على تأمين السلامة والأمن للاجئين الذين يتوزعون على 600 موقع في لبنان».
هذا اللجوء الكثيف إلى لبنان يفرض أعباءً ومخاطر جمّة، إلا أنه يؤدي إلى ظواهر شديدة السلبية تطبع المجتمع اللبناني الحاضن، وهذا ما يمكن تلمّسه من ارتفاع عدد ضحايا العنف الأسري والاستغلال الجنسي، ليس في مجتمع اللاجئين فحسب، بل في المجتمع اللبناني عموماً. تقول غلادكوفا إن المفوضية عملت على زيادة مراكز الاستشارات والتمثيل القانوني، ومراكز الاستماع والمعالجات النفسية، محصنة ذلك بمبدأ سرية المعلومات لحماية خصوصية الأشخاص. إلا أن انحدار السوريين من ثقافة لا تشجعهم على زيارة مثل تلك المراكز تعقد عمل المفوضية، في ظل وجود حالات إنسانية صعبة ومعقدة تترك آثاراً سلبية على شخصية أفرادها، وبالتالي تصعب عملية اندماجهم في المجتمع.
وباعتبار لبنان البلد الوحيد الذي ترك حدوده مفتوحة مع سوريا لاستقبال النازحين على عكس كل من الأردن وتركيا، تتالت عبارات الشكر للبلد المضيف، إلا أن المعطيات التي عرضت خلال المؤتمر فضحت مستوى الفوقية والعنصرية الذي ينتهجه معظم اللبنانيين في تعاملهم مع السوريين، ومدى الكره العميق الذي يكنه هؤلاء للسوريين كنتيجة لتسلسل الأحداث التاريخية بين البلدين وعدم حصول أي عدالة انتقالية حقيقية تعيد إنصاف الشعبين. وظهر بحسب الاستطلاعات التي استندت إليها مديرة مؤسسة «أبعاد» غيدا عيناني، أن هناك من يشترط الحصول على خدمات جنسية مقابل توظيف النساء السوريات، وتوجد شكاوى من أن أطفالاً سوريين كثراً لم يُقبَلوا في المدارس اللبنانية. كذلك سُجل امتناع مراكز صحّية عدّة عن استقبال عدد كبير من المرضى السوريين لمجرد أنهم سوريون، أو لوجود خلافات سياسية في بعض الأحيان بين موالٍ ومعارض. كذلك سجّل امتناع بعض مراكز حماية النساء من العنف عن استقبال السوريات... ويبقى المظهر الأعمّ للعنصرية في اتهام السوريين بأنهم خلف كل أنواع الجرائم والاغتصاب والسرقة التي تقع في البلاد. أضف إلى ذلك امتناع عدد من الطلاب اللبنانيين في المدارس والجامعات عن الاختلاط مع سوريين، وارتفاع نسبة الاتجار بالنساء. فضلاً عن القرار الذي فرضته بعض البلديات والذي يحظر تجوال السوريين مساءً، واتهامهم بسرقة لقمة عيش اللبناني بسبب تدني أجور اليد العاملة السورية، من دون الاعتراف بالأوضاع البائسة التي يرزح تحتها هؤلاء، والجشع المفرط الذي يسيطر على أصحاب العمل اللبنانيين، وهم المستفيدون الأبرز من تعميق الكراهية وتغذية الفوارق بين السوري واللبناني.
حديث عيناني عن العنصرية المفرطة استدعى ردّاً من أحد المحامين المشاركين في المؤتمر؛ إذ رأى أن في حديثها إجحافاً بحق اللبنانيين؛ لأنهم غير عنصريين البتة! ودعمه آخر بالقول إنّ «السوريين يستهلكون كل شيء لدى الدولة من أكل وشرب وأرض، من دون أن يقدموا أي شيء بالمقابل، سوى نشر الأوبئة والأمراض وبروز ظواهر مرضية جديدة لم يكن لبنان يعرفها من قبل». وطبعاً، صنّف المحاميان هذا الكلام بأنه غير عنصري البتّة.
لكن مشكلة التعاطي مع ملف اللجوء لا ينحصر بالعنصرية، بل هناك الفساد أيضاً، فضلاً عن التنافس الكبير وغياب التنسيق بين المنظمات، ما يسهم في إلحاق الضرر باللاجئين بنحو غير مباشر، ويؤدي إلى إمداد فئة من اللاجئين بالمواد الغذائية والخدمات على حساب فئة آخرى، بحسب عيناني، التي قالت لـ«الأخبار» إن «هناك 158 مشروعاً لدعم اللاجئين يجري تنفيذه حالياً، إلا أن التنسيق بين الجمعيات القيّمة على المشاريع شبه معدوم، فضلاً عن أن تعدد المشاريع التي تستهدف الفئات نفسها يؤدي إلى حصره في منطقة واحدة وحرمان مناطق أخرى». وفي هذا السياق، لفت مدير «ويسبرس» برتو ماسكو، إلى أن «الخطوط الساخنة التي تضعها الجمعيات في خدمة الناس تخطت الـ100 رقم، حيث سجل لكل منظمة نحو 16 رقماً، معظمها غير موجود في الخدمة، فكيف يبلغ اللاجئون عن أوضاعهم وحاجاتهم؟».
وقال الأسمر إن تدفق الأموال لإغاثة اللاجئين أدى إلى ازدياد أعداد الجمعيات بنحو مبالغ فيه، وهي قد تكون وهمية تتكاثر مثل الفطر السام، إلا أن مسؤولية مراقبتها تقع على الدولة اللبنانية التي يحق لها عبر ديوان المحاسبة أن تراقب الأموال التي تدخل لبنان، وأين تصرف ولماذا؟». وأشار الأسمر إلى أن «جزءاً من عدم تقديم الأموال للسلطات اللبنانية نفسها يعود بالدرجة الأولى إلى فقدان الثقة بالدولة وأجهزتها، ولا سيما بعد فضيحة الهيئة العليا للإغاثة».
No comments:
Post a Comment