هديل فرفور
يُقال: «أن نزرع بذور القوة في أطفالنا أسهل من أن نداوي رجالاً محطّمين». إلا أن الأصعب من الأمرين، هو أن نداوي أطفالاً تُزرع في نفوسهم يومياً بذور الجوع والحرمان والتهميش والتمييز العنصري، فيصبح «الحطام» صفة تعكس نفوسهم، كما أوطانهم، قبل أن يكبروا حتى.
«ما بدنا مساعدات ولا إغاثات، بدنا حملات توعية للشعب كرمال يتحملونا لكنا رجعنا ع بلدنا»، هذا ما تقوله إحدى اللاجئات الصغيرات التي طلبت من المجتمع الدولي أن يكف عن الانشغال بتقديم المساعدات وأن «يحلّوا قضية سوريا»؛ كي تستطيع العودة إلى بلدها: «من اليوم مو من بكرا». تتكلم ابنة الثانية عشرة باندفاع عندما تتحدّث عن المساعدات. برأيها إنها تحتاج ــ كما غيرها من الأطفال السوريين ــ أن تُعامل بطريقة أفضل من تلك التي يجري التعامل فيها معها، وإنها تحتاج إلى العودة إلى بلدها في أسرع وقت كي تتجنب هذه المعاملة. دعوة الصغيرة هذه رافقها العديد من الرسائل والشكاوى لأطفال سوريين آخرين، وقد جمعتها «مؤسسة الرؤية العالمية» في تقرير كُتب بأقلامهم، حمل عنوان «قف إلى جانبي – مستقبلنا المجهول». هذا التقرير الذي أعدّه 140 طفلاً سورياً (80 منهم لاجئون في لبنان/ و60 في الأردن) بمساعدة موظفين من المؤسسة، يوثق الكثير من حالات الضغط النفسي التي يواجهها الطفل السوري، والتي غالباً ما تكون ناجمة عن العنف الجسدي والكلامي الذي يتعرضون له. وتشير المؤسسة في التقرير إلى «أن 86% من الأطفال السوريين الذين أُجريت المقابلات معهم، قالوا إنهم تعرّضوا للعنف». فعلى صعيد المدرسة مثلاً، روى الأطفال العديد من الحالات. يقول محمد (14 عاماً): «تعرّض أحد أصدقائي للضرب المبرح من المدير بعد أن اتهمه بشيء لم يقم به، وعندما حاول صديقي الدفاع عن نفسه، لم يصدقه وضربه على رأسه حتى أدماه». لا يقتصر الأمر على المدرسة؛ فهناك الكثير من الأطفال يتعرضون للضرب والإهانات في الشارع، ولا سيما الأطفال الذين يعمدون إلى التسوّل وسيلةً لتحصيل المال، الأمر الذي لم يغفله التقرير الذي أشار إلى «عبء انعدام الأمن المالي» الذي يعانيه الأطفال. تشكو هنادي (17 عاماً) انخفاض دخل عائلتها المكونة من تسعة أشخاص، والمعيل الوحيد شاب عشريني يعمل براتب 300 ألف ليرة بالشهر «وهو مبلغ لا يكفي لشخص واحد في لبنان». كذلك لا يخفى عن الأطفال (البنات) سبب انتشار الزواج المبكر الذي يعود لأسباب مادية تجنبهن العوز من جهة، ولأسباب أخرى تجنبهن التحرّش من جهة أخرى. وأظهر استطلاع الرأي الذي قامت به المؤسسة أن «جميع الأطفال يفضلون التكلم مع أهلهم وذويهم، غير أن الوضع النفسي السيئ جعلهم غير مؤهلين للاستماع إليهم». ويقول أحد الأطفال: «والد صديقي يعود من العمل مرهقاً، وإن حاول محاورته، يقوم الوالد بتعنيفه وضربه بسبب الضغوط النفسية التي تعاني منها الأسرة»، فكانت شكوى الأطفال الرئيسية: «نحن لا نستطيع التحاور مع أهلنا؛ لأنهم يعانون ما نعانيه، بل أكثر، ونجد أنفسنا نستمع إليهم بدلاً من أن يستمعوا هم إلينا». وقد طالب الأطفال بوقف القتال والحرب وإحلال السلام كي يعودوا إلى بيوتهم، كذلك أبدوا رغبتهم بالمشاركة في أعمال الإغاثة ومساعدة الآخرين. كذلك طالبوا من البلدان المضيفة تسهيلات قانونية تمكنهم من التنقل بحرية، وتوفير مسلتزمات العيش الأساسية.
بالتأكيد، يُعَدّ هذا التقرير مبادرة لافتة ومهمة توجهها المؤسسة إلى مجتمعات البلدان المضيفة والمجتمع الدولي للالتفات إلى المعاناة التي يعيشها الأطفال السوريون. هذا التقرير كان يمكن أن يكون أكثر قساوةً ووجعاً ليحاكي الواقع المرير الذي يعانيه أطفال سوريا الذين هربوا من نار الحرب ووقعوا في نار العوز والجوع. لم يغفل التقرير مظاهر المعاناة للأطفال؛ فقد وثق التمييز العنصري وأشكال العنف الذي يتعرّضون له والعوز المادي وغيره. إلا أن من يقرأ التقرير قد لا يتلمس الوجع الحقيقي الحاصل، فلا يشعر أن طفلاً يشكو بقدر ما يشعر بأنه يقرأ توصيفاً للمشكلات التي يتعرضون لها والتي تشكل يومياً مواد للتقارير الإعلامية، لو تُركت الصياغة بعفوية الأطفال لكان ربما أكثر إيلاماً، ولو كانت الصور التي عرضها التقرير «صارخة» لاستطاع أن يرتقي أكثر والوجع الحاصل. وحدها الصغيرة السمراء (10 سنوات) التي ظهرت في الفيديو المرفق مع التقرير استطاعت بعينيها الدامعتين أن تنقل المأساة بكامل وجعها بقولها: «والله ملّينا».
No comments:
Post a Comment