طفل من أصل سبعة يتعرض للتحرش الجنسي
زينب سرور
يُغلق الباب بهدوء. أصواتُ خطواته على الأرض تخترق أذنيها الصغيرتين. كلما اقترب الصّوت أكثر كلّما اجتاحها الرّعب أكثر. حفظت جيّداً "السيناريو" الذي اعتادته: بعد قليل ستقفز جثّة هذا الرّجل الضّخمة على جسدها الضّعيف، العاجز.
كلّ ليلةٍ يُطفَأ النورُ في غرفتها. يُطفئه رجلٌ يُفترض به أن يكون قريباً لكنه بات أغرب ما يكون عنها. تنتظر بصمتٍ على سريرها مجيء "الوحش"، وتستلم لمصيرها. لن تقدرَ على البوح، فهي لا تفهم ما يجري. يظنّ الطّفل أنّ من حقّ "الكبار" أن يشبعوا به شهواتهم التي يجهلها. يتعالى عن أوجاعه وآلامه ويتناسى بكاءه الليليّ ظنًّا منه أنّ الآخرين لن يصدّقوه أو سيلقون باللّوم عليه.
ليست هذه الطّفلة الّذي عرضها فيديو "حماية" حالةً فريدة. واحدٌ من أصل سبعة أطفالٍ في لبنان يتعرّض لاعتداءٍ جنسيّ. هو رقمٌ معرّضٌ للارتفاع خصوصًا في ظلّ غياب سياساتٍ تحمي الأطفال من هذا العمل الوحشيّ، وفي شبه انعدامٍ لثقافة التّوعية لشريحةٍ كبيرةٍ من أطفال وكبار المجتمع اللبناني. واحدٌ من أصل سبعة ليس بالرّقم العابر، هو رقمٌ مخيفٌ يَشي بالخطر ويتطلّب تحرّكاً سريعاً.
ليس المطلوب فقط من الطّفل الّذي يواجه اعتداءً جنسيًّا أن يبوح بما يتعرّض له، إنّما أيضاً من المحيطين به من أهلٍ وأقارب وأصحابٍ للعائلة. قسمٌ كبيرٌ من هؤلاء يستخفّ بالأمر ويتحاشى الحديث عن الاعتداءات أمام الآخرين لاعتباراتٍ سخيفة. يوثّق الفيديو بعضاً من هذه الاعتبارات والأسباب: "خلّيها مستورة"، "إذا حكيت شو رح تفرق"؟، "شو رح يقولوا العالم"؟، "بكرة بتكبر وبتنسى"، "اللي صار صار"..
لكنّ الجمعية ترد على هذه التّبريرات بالقول "ليوقّف يصير بدّك تحكي". اختارت "حماية" شعار "اكسر الصّمت" ليكون عنواناً لهذا الفيديو التوجيهي، في دعوةٍ منها إلى كسر الصمت والحديث عن أيّ اعتداءٍ جنسيٍّ قد يعرف به أي مقرّبٍ من أيّ طفل. بمدّته القصيرة، (48 ثانية) يوثّق الفيديو حالات اعتداءاتٍ كثيرة لأطفالٍ يعيشون بيننا لكنّهم يخشون الحديث. لأطفالٍ لا يُدركون أنّ من حقّهم أن يعيشوا طفولةً آمنةً بعيداً عن أيّ اعتداءٍ جنسيٍّ أو جسديّ، لفظيٍّ أو نفسيّ. لأطفال باتت مقلقةً جدًّا حالة العنف والرّعب التي يعيشونها، من أطفالٍ يجوبون الشوارع بحثاً عن قوت يومهم، إلى آخرين يٌرمون في الطّرقات لأن أهاليهم غير قادرين على دفع إيجار المنزل، إلى أطفالٍ أودِعوا دور الرعاية البديلة ليستقبلوا الحنان لكنهم فوجئوا بتلقي الصفعات، إلى أطفالٍ يُتاجر بهم من دون رادعٍ أخلاقيٍّ أو قانوني، وصولاً إلى أطفالٍ يتعرّضون للضرب والتعذيب والتحرش الجنسي من قبل أقرب الناس إليهم. لأجل هؤلاء الذين يتعرّضون لأي نوعٍ من أنواع الاعتداءات "إذا بتعرف بلّغ حماية".
No comments:
Post a Comment