مخيمات البقاع: كأن الفرح عدوّ لنا
سامر الحسيني
يشتاق الطفل السوري حسن، النازح من الرّقة نحو البقاع، إلى المرجوحة التي افتقدها أمس في مخيمه في الدلهمية في قضاء زحلة، والذي يحمل الرقم 3 من سلسلة مخيمات النزوح السوري الذي يتركز تأكيزا كبيرا في هذه المنطقة من البقاع اللبناني.
لم يتسرب العيد الى وجوه الاطفال السوريين النازحين، لأن الفرح لا مكان له داخل مخيماتهم، ولم يتسرب الى خيمهم وجدرانها التي لم تجد سوى ألواح من النايلون والقماش المهترئ، لتأوي تحتها أطفالا يشتاقون الى أيام عيد كانت لهم ساعاتها في سوريا.
كيف يكون ثمة عيد داخل خيمة تقع في مخيم يمكن توصيفه بـ «سجن كبير»، أسواره محاطة بالأسلاك الحديدية، حالت دون وصول العيد الى اطفال المخيم، الذين اكتفوا بمراقبته حيث كان على بعد امتار قليلة من مخيماتهم ومن خلف اسوارهم كانوا ينظرون الى أطفال يلهون ويلعبون داخل ساحات في قراهم التي تتجاور ومخيماتهم، فيما أصر هذا العيد ان يرحل بعيدا عنهم ولم ترأف نظراتهم الحزينة في اقترابه منهم، ليزرع بسمته داخل أسوار سجنهم في مخيمات النزوح في البقاع.
لم يقترب العيد من آلاف الاطفال السوريين في البقاع، وبقي على حالة العداء معهم، والفرح على خصومته مع أطفال لم يحظوا إلا بالحنين الى «أيام عيد» وملاه في قراهم في ادلب والرقة وحلب. يشتاق أحمد النازح من ريف ادلب، الى دراجته الهوائية التي كان يستأجرها بليرتين ويمضي معها ساعات العيد داخل أزقة بلدته.
وحتى معايدة الاهل والأقارب لم تتوفر للطفل محمد، الذي لم يجد من أقاربه سوى عمه الذي يقطن في مخيم آخر، يبعد عن خيمته أكثر من كيلومترين، وبدت زيارته كما لو أنها المؤشر الوحيد على أن يوم أمس كان عيداً. اعتاد الاطفال السوريين على يوم عيد صاخب داخل قراهم وبلداتهم اينما وجدت، وكانت عشية العيد تشهد تحضيرات لتركيب مدن ملاه متنقلة ودراجات هوائية للإيجار، ومفرقعات نارية تنام مع الاطفال، انما هنا لا توجد مدن ملاه ولا مفرقعات ولا دراجات هوائية: لا مكان للعيد هنا.
للاطفال السوريين أحلام بالعودة الى عيدهم في سوريا، أيا كانت سوريا التي تبقى أفضل من هنا داخل المخيم، لأن الخروج من المخيم محرّم ودونه عقبات، أبرزها عنصرية النظرة الى الطفل السوري، الأمر الذي يحرمه من حقه في ممارسة الفرح والسعادة اسوة بأقرانه وأمثاله، وهذا ما يشكو منه عشرات الاطفال السوريين داخل احد مخيمات النزوح في بر الياس. محمد عبد الرحمن واحد منهم. لا يعرف لماذا يمنع عليه اللعب في إحدى الساحات مع أطفال آخرين، ويجهل سبب إبعاده عنهم، إذ طالبوه بالعودة الى الخيمة.
للعيد ذكريات عند أطفال دُمرت بيوتهم وانهارت مع حاراتهم وألعابهم ومفرقعاتهم. هنا أطفال لم يعرفوا العيد لا في سوريا ولا في مخيماتهم. وصلوا إلى هنا على أيدي أمهاتهم، هاربين من جحيم النيران والموت في الداخل السوري. لم يلتقوا بالعيد ولو عن طريق الصدفة أو الخطأ، فطريق العيد لا تمر من جانب خيمهم ومخيمات البؤس والقهر التي لا تجد نصيرا أو مواليا لها في البقاع، على الرغم من واقع سكانها الحزين والمرير.
اقتصرت فعاليات العيد عند الاطفال السوريين على موائد إفطار أقيمت للعديد منهم عشية ليلة العيد، وتوزيع بعض الحصص الغذائية على مثال ما قامت به «جمعية الانماء والتجدد» في الفاعور، التي أحيت ليلة العيد في مدرسة الاندلس واحتضنت أكثر من 200 طفل سوري، ارتدوا ألبسة جديدة وألعابا، من دون «حصولهم» على العيد.
No comments:
Post a Comment