فاتن الحاج
حق الإنسان في الاستشفاء يهمل لدرجة تركه يموت أمام أبواب المستشفيات. هذا ليس واقعاً مستجداً، بل يحصل منذ سنوات، وهو حتماً ليس له علاقة باللاجئين السوريين، الذين تتذرع بهم الحكومة وإدارات المستشفيات أخيراً لتعلل عدم استقبالها مرضى الطوارئ وتقديم الاستشفاء لهم، تحت حجة «الضغط الذي تحدثه الأعداد الكبيرة لهؤلاء، ما يؤدي إلى عدم وجود أسرّة كافية».
إنّه سلوك دأبت عليه المستشفيات بسبب المافيات التي تتحكم في القطاع الصحي عموما. اللائحة تطول بالنسبة إلى الأطفال الذين توفوا لعدم إسعافهم بسبب عدم تمكن ذويهم من دفع «المال على الصندوق». هل تذكرون قضية الطفل مؤمن المحمد، الذي «قتل» على مدخل طوارئ مستشفى في طرابلس؟ أما زالت مأساة الطفل الفلسطيني المعوق محمد طه (11 عاماً) ماثلة في الأذهان؟ لقد توفي محمد أمام باب المستشفى الحكومي في صيدا، بعدما انتظر ما يقارب الساعة داخل سيارة الإسعاف لرفض الأونروا إعطاءه تحويل دخول! السبب نفسه أنهى حياة الطفلة الفلسطينية مريم أكرم محمد (سنة واحدة)، لعدم توافر سرير لها في مستشفيات الجنوب مع «الأونروا» أيضاً. هل يذكر احد حسين قطايا (49 عاماً)، وهو ايضا من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذي مات على باب المستشفى ايضا في البقاع.
التجارب والأمثلة على ذلك متعددة، وهي لا بد أنّها حاصلة وتحصل مع أي مواطن، وخصوصاً عندما يتوجه إلى المستشفيات الخاصة، فيطلب المساعدة من أطباء الطوارئ لحين تأمين المبلغ المطلوب، إلاّ أنّ الأبواب تسد في وجهه، باعتبار أن هناك مستشفيات حكومية يمكن التوجّه إليها. طبعاً، لا يطاول الأمر الفقراء والمواطنين العاديين فحسب، فالفنانة الراحلة أماليا أبي صالح لم تستطع متابعة علاجها في مستشفى الجامعة الأميركية، لولا تدخل وزير الصحة السابق علي حسن خليل، بحجة أن المستشفيات لن تستقبل المرضى لعدم تجديد العقد مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وما حصل أخيراً مع الناشطة في حقوق الإنسان والزميلة حنان رحيمي وابنتها ريتا عاكوم (من ذوي الاحتياجات الخاصة) لا يشذ عما بات قاعدة، في السنوات الأخيرة على الأقل. إنّ من يستعيد قصص من يعانون على أبواب المستشفيات حتى الموت، يستطيع أن يفهم هذا السلوك جيداً. بإمكانه أن يصدق أن تقفل أبواب ثلاثة مستشفيات خاصة تحت حجة «لا أسرة متوافرة» أمام والدة ركضت بابنتها في عز الليل، بعد إصابتها بصورة مفاجئة بانقطاع في التنفس، واختناق، وتورّم في وجهها. ولم تدخل مستشفى بيروت الحكومي إلاّ بعد تدخل أحد الصحافيين من زملاء رحيمي لدى وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، الذي اتصل بدوره بوزير الصحة العامة وائل أبو فاعور. أجرت ريتا التحاليل الطبية المناسبة وعادت إلى المنزل، لكنّ وضعها الصحي يتطلب متابعة دقيقة في المستشفى، كما تقول رحيمي لـ «الأخبار». تسأل: «بأي حق يمنعون دخول مريض في حالة خطرة؟ ثم إذا كانت ابنتي مغطاة صحياً من تعاونية موظفي الدولة، وفعلوا معها ما فعلوه، فما هو حال من لا تغطية صحية له؟». تقول إنّ «المستشفيات لا تعترف ببطاقة المعوق، وهذا فعلاً ما حصل مع جاري الذي رفضت المستشفى استقباله، وعندما أبرز بطاقته، قال له الموظف «ما خصني، شيلها من وجي». وتردف: «أصعب شي تشعر إنك تشحذ الحق».
ستقول الناشطة للوزير في اجتماعها معه، اليوم، إنّ «حياة الإنسان ليست لعبة، وآن الأوان لنحصل على شوية كرامة، فالاستشفاء حق لكل مواطن، فكيف إذا كان هذا المواطن معوقاً ويحمل بطاقة ليس لها أي قيمة عند أصحاب المستشفيات، وفوق ذلك فهو مغطى صحياً». ستروي رحيمي للوزير تفاصيل ما حدث مع ابنتها، التي تعاني شللاً رباعياً منذ الولادة. ستشرح له أيضاً ما صادفته في مستشفى بيروت الحكومي الجامعي، الذي دخلته ريتا بعد عناء طويل، بإيعاز من مديرية العناية الطبّية في وزارة الصحة، وقد خضعت لبعض التحاليل الطبية هناك... لكن. لم تشأ رحيمي أن تفصح لـ «الأخبار» عما حدث هناك فعلاً، علماً بأنّ ريتا بقيت في طوارئ المستشفى حتى بعد ظهر اليوم التالي.
تراهن رحيمي على «صدقية أبو فاعور، الذي تدخل فور علمه بالقضية من وسائل الإعلام، فاتصل مكتبه بي، وأبلغني أنّ الوزير أوعز إلى الأجهزة المختصة في الوزارة بإجراء تحقيق عاجل وسريع لتحديد المسؤوليات في ما حصل مع ابنتي». كذلك حذّر أبو فاعور في تصريح له أمس، «جميع المستشفيات من دون استثناء من التهاون بصحة أي مريض أو بكرامة المواطن، تحت طائلة إجراءات عقابية بحق أي جهة مخالفة أو مقصرة». وأكد أننا «ملتزمون أشد درجات الالتزام واجباتنا ومسؤولياتنا في تأمين حق الاستشفاء لكل المواطنين اللبنانيين، سواء كانوا مسجلين في المؤسسات الضامنة أو على نفقة الوزارة». ودعا المواطنين إلى مراجعة الوزارة، إذا واجهتهم أي مشكلة على الخط الساخن 1214، لمعالجتها فوراً.
يذكر أنّ أبو فاعور اتصل بوالدة ريتا وبالمعنيين في المستشفيات الثلاثة أي «السان تيريز» و«جبل لبنان» و«الحياة»، وطلب إليهم الحضور إلى الوزارة اليوم، للاستماع منهم إلى تفاصيل القضية ومتابعة ما يجب القيام به.
http://www.al-akhbar.com/node/201761
No comments:
Post a Comment