مخطـوف ثــانٍ يعــود
«الديبلوماسية الأمنيّة» تتقدم بالتقسيط
جعفر العطار
لم تحتشد «الجماهير»، أو «عائلات الضاحية كلها»، أمام مطار بيروت أمس، كما كانت تروّج أكثر من وسيلة إعلامية مرئية، منذ طلوع الشمس. لم يكن ثمة أحد من أهالي الضاحية في استقبال المخطوف المحرر عوض إبراهيم، سوى أقارب انتظروه في «صالون الشرف».
أن يُطلق سراح شخص واحد مخطوف منذ أربعة أشهر في سوريا، من بين عشرة مخطوفين، لم يعد أمراً يجذب الناس من بيوتها المحرومة من المياه والكهرباء، خلافاً لـ«اليوم الفضيحة»، عندما امتلأ المطار برجال ونساء وأطفال لا تربطهم أي قربى بالمخطوفين الـ11.
آنذاك، قبل أربعة أشهر، كان يوماً احتفالياً جمع الطوائف المتناحرة جنباً إلى جنب: مناصر «حزب الله» يشكر «تيار المستقبل»، ومراسلة «المستقبل» تشكر أبناء الضاحية. نشوة غريبة اعترت كل موجود في المطار، حيث تواجد كبار مسؤولي الدولة والأحزاب. ومنذ ذلك اليوم الذي لم تصل فيه الطائرة المنتظرة، بدأ المسلسل الغريب.
«قصة معقّدة»
زوجة عوض، سهام، وابنهما حسن، وأقاربهم، هم من انتظروا عوض أمس في المطار، ثم رافقوه إلى المنزل في حيّ السلّم. ومن بعيد، بعيون حزينة حاولت إقحام الفرح عنوة، كان ذوو المخطوفين التسعة يراقبون هبوط طائرة تحمل محرراً واحداً. ما إن دخل عوض «صالون الشرف»، حتى ساد هرج ومرج، بدا معهما كما لو أن منتظريه تفاجأوا بوصوله: صراخ وتكبير وتهليل، فيما وزير الداخلية مروان شربل وابنه رامي كانا يحاولان الابتعاد عن قبضات المصوّرين الغاضبين.
بعد مرور دقائق معدودة من تصريح شربل، استقل عوض سيارة وزارية فارهة، وانطلق إلى المنزل بعينين دامعتين، شاكراً شربل والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والرئيس سعد الحريري.
وما كاد ينطلق موكب شربل، بسياراته الأربع، حتى اصطدم بدراجة نارية أمنية، لكنه أكمل طريقه بأسلوب بوليسي، يشبه أسلوب مسلسل إطلاق سراح المخطوفين في سوريا، بالتقسيط، بلا أي شرح رسمي، سوى عبارة واحدة: «القصة معقدة كتير»، يقول شربل لـ«السفير».
إيرانيون؟
المخطوف المحرر مازال متأثراً بشخصية أبو إبراهيم. يقول لـ«السفير»: «تخيّل أنه ما إن عرف أن أحدنا يحبّ النرجيلة، حتى أحضر له واحدة فوراً. وكان يحضر لنا تبغاً أجنبياً، فيما يجلب للعسكر دخاناً من صنع محلي».
يتذكر الأشهر الأربعة التي مرّت أثناء اختطافه، على أنها «فعلاً أيام ضيافة، لولا الحرية التي كانت محجوبة عنّا. أبو إبراهيم شخص ودود وطيّب، وأحبه كما أحب أشقائي اللبنانيين».
في ما يتذكر عوض، ثمة أمور عدة تتقاطع مع تصريح المحرر حسين عمر لـ«السفير» عقب إطلاق سراحه، في الشهر الماضي: «الخاطفون ظنّوا أننا إيرانيون، لأن المسلحين الذين استقلوا الحافلة، قبل أربعة أشهر، تفاجأوا عندما سمعــونا نتحـــدث باللغة العــربية، ثم كشفوا لنا أن هدفهم كان حافلة ركاب إيرانية».
الذكرى المأساوية الوحيدة التي يــتذكرها هي «الأيام التي كنا نسمع فيهـــا دوي قصف الطـــيران. كانت أيام رعب»، يقـــول، مردفاً: «أما الباقي، فهـــو روتين. أكل وشرب ونوم. لا شاشات تلفزيون ولا صحف، طبعاً».
يرتبك عوض قليلاً، وتحمّر وجنتاه قائلاً: «إنه الشيخ سعد الحريري، لقد اتصل بي الآن، مهـــنئاً بعودتي». يزداد ارتباكه قليلاً: «كلا، لم يتصل بي أحـــد غيره. لكن وزير الداخلية مروان شــربل، والمدير العــام للأمن العام عباس إبراهيم، كانا في انتظاري في المطار».
عوض، مثل زميله حسين عمر، لم يتمكن من توديع رفاقه، لأنه لم يكن يعرف أصلاً بأنه سيعود إلى لبنان، إذ ظنّ أن توجهه إلى تركيا يهدف إلى العلاج الصحي. في المنزل الواقع في حيّ السلم صخب بالعودة. وفي قلب المحرر فرحة غير مكتملة، تنتظر عودة المخطوفين التسعة، خصوصاً «علي زغيب، لأنه مريض».
المخطوف المحرر سيعود إلى مزاولة مهنته، إلى حملته «الصدر» المعنية في تسيير رحلات الحج، لكن «بالجوّ، مستحيل البرّ، مهما كانت الأسباب والظروف والأيام والأعوام!»، يقول في حديثه مع «السفير».
وسط ذلك، ثمة يقين عند ذوي المخطوفين الباقين، يكمن بأن «الدولة لم تعرف كيف تستفيد من ورقة المخطوفين التركيين في لبنان. طالبت بإطلاق سراحهما، وها نحن نتفرّج على اللعبة الغريبة العجيبة».
مع ذلك، ثمة معلومات لـ«السفير» تشير إلى انفراجات في الأسبوع المقبل، إلا أنها، أيضاً، بالتقسيط. عوض عاد من الخطف إلى خطف جديد، لكنه مخطوف وسط أهله وناسه. عاد من «أبو إبراهيم 1» إلى «أبو إبراهيم 2»: دولة تخطف حقوق الشعوب، من كهرباء ومياه وغيرهما من حاجات البشر، بنزق يتكرر كل يوم.
No comments:
Post a Comment