لا يقبل أهالي وادي خالد
بأن يكونوا أن يكون هدفاً لمساعدات المحسنين (مروان بو حيدر)
لا يزال ضجيج الاهتمام
بالنازحين السوريين في لبنان يتصاعد. ينتشر النازحون بصورة رئيسية في الشمال،
وخصوصاً في عكار ووادي خالد، ما يزيد المناطق البائسة بؤساً ويدفع إلى مساءلة
المرجعيات المتعاقبة على الحكم، ما إذا كان باستطاعتها إغاثة النازحين فعلياً،
فيما تحتاج المناطق التي تستقبلهم إلى من يغيثها
روبير
عبد الله
عكار | الطريق إلى وادي خالد سالكة
وآمنة. وتيرة نشاط أسطول «الفانات» الذي كان يملكه أبناء الوادي تراجعت. فلا
الركاب في سائر الأنحاء اللبنانية يحتاجون إليه، ولا عبور العمال السوريين إلى
لبنان من معابر وادي خالد الشرعية وغير الشرعية بقي له أثر. في وادي خالد قد تمرّ ساعة
كاملة من دون أن تظهر سيارة واحدة. الدراجات النارية وسيلة النقل الأساسية
المعتمدة هنا، نظراً إلى ما توفره في استهلاك الوقود، الذي بات بالأسعار
اللبنانية، وهو ما لم يتعوّده أبناء الوادي، الذين كانوا في الماضي يستخدمون
البنزين والمازوت السوريين، أكان ذلك للتجارة والتهريب أم للاستهلاك الخاص على
الأقل. أبواب المحال التجارية مشرّعة على مصراعيها، لكن من دون فائدة.
لا
تلمح أحداً يدخلها أو يخرج منها، بما في ذلك أصحابها، الذين يظهرون جماعات، تتحلق
لشرب الشاي أمام باحة إحداها ليس إلّا.وادي خالد التي آوت النازحين السوريين وأسهمت في إغاثتهم باتت تحتاج اليوم إلى من يغيثها. ألف عائلة من أصل عائلاتها الخمسة آلاف، استلمت حصة غذائية من «جمعية العرانسة» في شهر رمضان الماضي، يقول رئيس الجمعية الشيخ عبد الله الدويك، مضيفاً أن جمعيته هي الوحيدة بين الجمعيات الخيرية التي قدّمت مساعدات إلى أهالي وادي خالد. ليس مهماً ما يقوله الدويك بمقدار أهمية قبول ابن وادي خالد فكرة تلقيه مساعدة على هيئة حصة غذائية، فابن الوادي يمكن أن يقتل طلباً للثأر، ويمكن أن يهرّب، باعتبار أن التهريب بالنسبة إليه ينطوي على شيم الرجولة والقوة، لكنه لا يقبل أن يكون هدفاً لمساعدات المحسنين.
هكذا، لم يحصل أن طرأ على وادي خالد تطور مفاجئ مثل الذي وقع في أعقاب الأزمة السورية، من دون أن يتمكن أهالي الوادي من العثور على بدائل لتأمين مصادر العيش. فبعد إقفال خط البقيعة التجاري مطلع تسعينيات القرن الماضي، اقتنى هؤلاء أسطولاً من «فانات الميني باص» لنقل الركاب تجاوز عددها الخمسمئة، ما مثّل مصدر دخل لنحو ألف عائلة، باعتبار أن «الفان» الواحد يمكن أن يشترك في ملكيته أكثر من شخص، ويمكن أن يملكه شخص ويعمل عليه شخص آخر. علماً أن إقفال خط البقيعة باعتباره أحد أكبر الأسواق التجارية في الشرق الأوسط، لم يكن يعني وقف التجارة الحدودية بصورة نهائية ومبرمة، فقد استمرت هذه الأخيرة بوتائر مختلفة، كما استمر الأهالي في التزوّد بحاجياتهم من سوريا سواء من باب السلع أم الخدمات. كذلك نشأت تجارة «معولمة» في سياق تطور خط البقيعة التجاري، وبعيد إقفاله، من أبرز معالمها امتلاك تجار الوادي أهم المحال التجارية في شارع المئتين في طرابلس، وامتلاكهم معظم المحال التجارية في أحد شوارع مدينة حلب الأساسية. وفي المدينتين استحوذ تجار الوادي على وكالات تجارية عالمية من الصين وإندونيسيا وروسيا وغيرها، لكن الأزمة السورية زادت من اختناق الاقتصاد الطرابلسي، وشاء سياقها أن تكون مدينة حلب مسرحاً لأم المعارك بين النظام السوري ومعارضيه.
«الأوضاع سيئة للغاية، شغلة عملة ما في»، يقول نائب رئيس بلدية المقيبلة أحمد العكاري. ويضيف إن «أوضاع النازحين السوريين باتت أفضل من أوضاعنا، فحركة البضائع توقفت عبر الحدود بصورة نهائية، والطريق التي تسلكها البضائع السورية إلى وادي خالد باتت من أطول الطرقات مقارنة بباقي المناطق العكارية، لأن المعبر الوحيد المتاح هو معبر الدبوسي مقابل بلدة العبودية الأقرب إلى بلدات السهل والشفت وجزء من القيطع والجومة».
تجوب القرى والبلدات العكارية شاحنات صغيرة محملة بصهاريج الغاز. بائعو الغاز في بعض المناطق «احمرّت أعينهم»، لكون «الرزقة انقطعت» بعدما أغرق تجار الوادي السوق بمادة الغاز، لكن عمر حسن من بلدة رجم عيسى يرى أن «الشغلة ما بتجيب تعبها، ابن عمي يبرم كل الأسبوع بين قرى جبل أكروم ووادي خالد من دون أن يتمكن من تصريف حمولة صهريج واحد». حسن، عضو مجلس الأهل في مدرسة رجم عيسى، يخشى ألا يتمكن معظم الأهالي من دفع رسوم التسجيل في المدرسة، ففي العام الدراسي الماضي «تسجل التلامذة على حساب صندوق المدرسة بعد موافقة وزارة التربية والتعليم العالي»، أما السنة «فالوضع أسوأ، وخصوصاً أنني كنت أعمل في التجارة عبر الحدود واليوم توقف هذا العمل، ولم أعد أدخِّل ليرة واحدة». ويقول إنّ ابنه المتزوج اشتغل سائقاً خاصاً لدى أحد الأشخاص لمدة خمسة أشهر، لكن المستخدِم استغنى عن خدماته. والجدير بالذكر أن نحو مئة عائلة من سكان الوادي، بحسب تقديرات جمعية العرانسة، غادرت الوادي للسكن في مكان عمل معيل الأسرة منذ بداية الأزمة السورية.
حال التردي لا تقتصر على وادي خالد، بل تعدّتها أيضاً إلى المناطق المجاورة. ففي مشتى حسن يقول المختار ميسر خالد إن أكثر من خمس وستين عائلة تحتاج إلى إغاثة، وإنه جرى توزيع حصص غذائية لنحو خمس وثلاثين عائلة لبنانية في البلدة. ويؤكد مختار المشتى ما ترويه المصادر في وادي خالد عن سوء الأوضاع، مضيفاً إن الناس هناك أصبحوا «بعضهم فوق بعض، وهم القلة القليلة». أما الأغلبية الباقية، فهي تعيش تحت خط الفقر. وعن الشاحنات التي تمر يومياً في مشتى حسن محملة بصهاريج الغاز، يؤكد المختار أنها قانونية مئة في المئة، لأن الحدود حتى آخر زاوية في بلدة قرحة، أقفلت نهائياً.
هكذا، كشفت الأزمة السورية واقع المناطق الحدودية، وهو ما تحفّظ عن معالجته الموالون للنظام السوري في لبنان، كما تحفظ عن ذكره المعارضون، فلا أنصار الأخوة والتعاون اكترثوا لمناطق التآخي الحدودية، ولا أنصار السيادة تعرفوا إلى تلك المناطق عطفاً على نازح، إذ لطالما عاش النازحون السوريون واللبنانيون على مقربة منهم تحت جسور بيروت وجبل لبنان.
http://www.al-akhbar.com/node/166599
No comments:
Post a Comment