إنه الوقت الضائع... هذا أقلّ ما يُقال في الأشواط التي تقطعها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وتحديداً غرفتها الأولى في انتظار انطلاق المحاكمات في الخامس والعشرين من آذار المقبل. كلُّ شيء يشي بأن اللعبة التي باتت في يد "غُرف" المحكمة تغرق في معمعة "اندفاع" الدفاع و"شراسة" الإدعاء و"ثقة" الغرفتيْن الأولى والاستئنافية بأن شيئًا لن يتبدّل وبأن الحديث عن شرعية إنشاء المحكمة واختصاصها منتهي الصلاحية لا بل بات من الماضي وغدا بمثابة واقعٍ "من المعيب" البحث فيه.
أمس الأول، رفع رئيس المحكمة دايفيد باراغوانث جلسة استئناف مبكرة خاضها فريق الدفاع من أجل شرعنة "دفوعه" المرفوضة من غرفة الدرجة الأولى والتي تصبّ في خانة "نسف" شرعية اختصاص المحكمة... هذه المرة عوّل الدفاع على "صلابة" الاستئناف فشكا غرفته تجاوز مجلس الأمن حدود سلطته من خلال اعتماده القرار 1757 لإنشاء المحكمة الدولية.
تمويه ومناورة
تجدد مصادر مواكبة لعمل المحكمة تأكيدها أن "كلّ ما تشهده كواليسها في الآونة الأخيرة لا يعدو كونه تمويهاً ومناورةً وأداء واجبٍ من قبل الدفاع مقابل استجابة قسريّة من المحكمة وغرفها لإثبات شفافيتها. فما كُتِب قد كُتِب ومسيرة سنوات لا يمكن أن يدحضها محامون مندفعون يناضلون باسم المتهمين الأربعة عن أحاجيجهم التي تحمل صفعةً قوية لمجلس الأمن والمحكمة رغم أن التجربة الأولى لم تمنحهم سوى خيبة...".
خيبة مزدوجة؟
تلك الخيبة ستكون بلا أدنى شكّ مزدوجة بعد أسبوعين أو ربما أكثر عندما تستحضر غرفة الاستئناف قرار زميلتها "الأولى" بردّ الدفوع مجدداً وترسيخ واقعٍ معدٍّ سلفاً قوامُه: المحكمة ماضية ولا شيء سيوقف عجلتها. أما السؤال: ماذا بقي من أوراقٍ في يد الدفاع؟ وماذا بعد هذه الجلسة التي أثمرت تصادماً بين باراغوانث ورو هذا عدا الخلاف المحتدم بين محامي الدفاع وعلى رأسهم اللبنانيّان أنطوان قرقماز وإميل عون ونائب المدعي العام القاضي اللبناني رالف رياشي؟
نقاطٌ قابلة للنقاش
علامَ يركّز الدفاع؟ وما مدى منطقية ما يعرضه؟ إنها ببساطة نقاطٌ قابلة للنقاش فعلاً:
- لبنان لم يوقّع قرار إنشاء المحكمة.
- 10 أعضاء من مجلس الأمن صوتوا على إنشائها.
- لم يكن حافز إنشائها تهديدا للسلم الدولي.
- ليس من صلاحية مجلس الأمن إنشاء محكمة مماثلة.
- المحاكم الدولية تُنشأ عادة للنظر في جرائم جماعية أو إرهابية وما حصل في لبنان جريمة فردية.
في المقابل كيف يبرر الادعاء أو المحكمة بشكل عام؟ إنها ببساطة نقاطٌ قابلة للنقاش أيضًا:
- ليس من صلاحية المحكمة النظر في قرارات مجلس الأمن.
- المحكمة أنشئت بتفويض من الحكومة اللبنانية.
- ما حصل جريمة إرهابية استناداً الى تعريف الإرهاب الذي خرجت به المحكمة.
منافذ...
كما يتمسّك الدفاع بأدلته، تتمسك المحكمة بمنافذها لجهة الحديث عن أن إنشاءها يشكّل انتهاكاً للسيادة اللبنانية... فالدولة المسؤولة عن هذه السيادة لم تعترض رسميًا لا بل ما زال يُطلب منها أن تقدّم تقريراً رسميًا في التاسع عشر من كلّ شهر تشرح فيه جهودها المبذولة للبحث عن المتهمين الأربعة وتسليمهم للعدالة. وأبعد من ذلك لا يعفي الإدعاء مناسبةً للتذكير بأن المحكمة إنشئت بتفويض من الحكومة اللبنانية يومذاك.
صراع باراغوانث-رو
وبعيداً من جلسة أمس الأول، أعاد رئيس مكتب الدفاع فرنسوا رو فتح جراح "شهود الزور" من خلال تجديد تأكيده بأن "قضية شهود الزور من صلب صلاحية المحكمة بالركون الى أن القرار القضائي وحده كفيل بتحديد ما إذا أدلى شخص ما بشهادة كاذبة أم لا، وحتى صدور هذا القرار، يمكن اتهام هذا الشخص بالادلاء بشهادة زور"... كلامٌ لا يهضمه رئيس المحكمة الذي أكد في غير مناسبة أن "هذا الملف خارجٌ عن نطاق عمل المحكمة وأنها لا يمكن أن تضمّه الى اختصاص عملها إلا إذا طلبت السلطات اللبنانية منها ذلك".
صعاب التأييد والتمويل
إذاً يحاول القيمون على المحكمة تظهير الجلسة ونتائجها وكأنها قابلة للمساومة أو لطرح فرضيّتيْن تحت ذريعة أن غرفة الإستئناف ستنظر في قانونية أو عدم قانونية القرار 1757 وتبعاً لهذا القرار تبقى المحكمة أو تلغى... يعرف هؤلاء في قرارة أنفسهم أن مجرّد التفكير في إلغاء المحكمة يشكّل ضرباً من ضروب الجنون المحظور بعد كلّ الأشواط التي قطعتها المحكمة رغم كلّ الصعاب التأييدية والتمويلية، من دون غض النظر عن التحدّي الذي تخوضه المحكمة مع ذاتها لجهة الشفافيّة والتسييس اللذيْن عُيِّرت بهما دائمًا ولا تزال.

No comments:
Post a Comment