The Lebanese Center for Human Rights (CLDH) is a local non-profit, non-partisan Lebanese human rights organization in Beirut that was established by the Franco-Lebanese Movement SOLIDA (Support for Lebanese Detained Arbitrarily) in 2006. SOLIDA has been active since 1996 in the struggle against arbitrary detention, enforced disappearance and the impunity of those perpetrating gross human violations.

Search This Blog

March 22, 2014

Aljoumhouria - Mothers in Jail, March 22, 2014



ناتالي إقليموس

لا حاجة لتسأل كيف يُقبِل العيد سنوياً على الأمّهات في سجن بعبدا، يكفي أن تدخل وتنظر إلى الزجاج الفاصل،»المغبّش»، في زاوية المواجهات، ليتّضح الواقع المرير والشوق الدفين الذي يعتصر قلوبهنّ. ذاك العازل الذي يتصبّب عرقاً لا ينتظر مَن يُنظفه أو يُعيدُ لمعتَه، فالسجينات يغسِلنه يوميّاً بدموعهنّ، ويُزينَّه بقبلاتهنّ... وتكاد أجهزة «الانترفون» على جانبيه تدمعُ، لمَا تشهده من قصص فراق ولحظات وداعٍ مؤثّرة أيام الزيارات.



وحدَها الوالدة راغدة لم تولِ أيّة أهمّية لمواعيد الزيارات، «لشُو وجَع القلب» على حدّ تعبيرها، فأولادها الأربعة لم يأتوا لزيارتها منذ دخولها السجن. بصعوبة تبلع ريقها وتفتح قلبها لـ«الجمهورية»، لتخبر عن تجربة أرملة أمضت ستة سنوات خلف القضبان ولم تلمح طيف أحد من أولادها. وتقول: «كبرتُ مع صوَرهم التي أخبّئُها تحت وسادتي، أمّا مراحل نموّهم فكنت أتأمّلها عبر صوَر لهم على هاتف من يأتي لزيارتي». تؤكّد راغدة أنّها لا تخفي أيّ عتب أو مَلامة، وتتفهّم ظروف أولادها، فالأم قد تنسى تاريخ مولدِها في السجن، إلّا أنّ ذكرى أطفالها لا تفارقها قطعاً. 

للوهلة الأولى، كلّ من يتحدث إلى تلك الوالدة يسترعي إنتباهَه تماسكُها، ولكن في الحقيقة خلف تلك الملامح الصلبة ليالٍ أمضَتها تجهشُ بالبكاء، وتقول: «كيف لي أن لا أشتاق وقد تركت أولادي تتراوح أعمارهم بين 10 سنوات والعشرين سنة، في الفترة التي هم فيها أكثر حاجة إليّ، أحنّ إلى أصواتهم، إلى رائحة غسيلهم وعبقِ أنفاسهم... ولكنّ أمل اللقاء بهم مجدّداً يُقوّيني». 



السجن المؤبّد...«عيديّتي»

في وقت تُحصي راغدة الدقائق والأيام التي تَفصلها عن أولادها، تقبع هند (34 سنة) على حافة سريرها تَشُكُّ الخرز، والحزن يشكّ كوَخزِ الإبرة قلبها. وعلى الرغم من أنّ الله أنعمَ عليها بأربعة صبيان، فمناسبة عيد الأم لا تعني لها شيئاً، بل تزيدها إحباطاً، فتقول: «منذ 7 أعوام، في 21 آذار تبلّغتُ قرار الحكم عليَّ بالسجن المؤبّد، نتيجة جريمة ليس لي فيها صِلة لا من قريب أو بعيد ... عن أيّ هدية قد أسأل بعد في عيد الأم؟». 

تفرحُ هند لرؤية أولادها الأربعة يأتون لزيارتها، إلّا أنّها تشكو، كغيرها من السجينات، من ضيق الوقت المخصّص للزيارات، وكذلك غياب الغرفة الخاصة للّقاءات. فتقول: «فعلاً نعيش هاجس وقت الزيارات القصير، فبِأقَلّ من ربع ساعة أقف في زاوية ضيّقة، ومن خلف الزجاج، أستفسر عن صحّة أولادي الأربعة وأحوالهم الشخصية، أمُدّهم من عينَيّ بالحنان اللازم «من بعيد لبعيد»... تصمت برهة، تخونها دموعها، فتسيل على خديها، ثمّ تقول: «أخاف أن أموت قبل ضمّهم إلى حضني ومعانقتهم، لذا أحسد المحكوم عليها بالسجن 20 سنة، أقلّه تدرك أنّه سيأتي يوم وتتفقّد أولادها... أمّا أنا فقد أرحل عن هذه الدنيا ولوعةُ عدم احتضانهم تُضنيني». 

حين تُعاكسهن الأقدار

تُعشّشُ في حنايا كلّ زنزانة مئات الروايات والتجارب، إلّا أنّ مشهداً واحداً يجمعها، في السقف عفونة ورطوبة، وفي الزوايا صوَرٌ لأولاد السجينات إلى جانب صوَرٍ لقدّيسين أو لآيات قرآنية. إلّا أنّ زنزانة واحدة ميّزها بكاءُ رضيعةٍ بين «غطيطة» الدخان، فإحدى السجينات الأجنبيات أنجبت مولودتها الأولى، ما زرع البسمة بين الأمهات وغمرهنّ بالطاقة الإيجابية. 

بحسرةٍ تنظرُ الحجّةُ خديجة البالغة من العمر 57 عاماً إلى تلك المولودة، وتقول: «على رغم الظروف الصحّية السيّئة التي تترعرع فيها، إلّا أنّها تتربّى تحت جناح والدتها، أمّا أنا فوالدتي تخجلُ بي، لم تحاول زيارتي أو الإستفسار عن حالي منذ دخولي السجن». على الرغم من ذلك تواظب خديجة على ذكرَ والدتها في دعائها، ولكن تشعر في الوقت عينه وكأنّ حجراً يثقل صدرها، ليس السبب ابتعاد أولادها عنها واكتفاء واحد منهم بزيارتها، إنّما مقاطعة والدتها لها، فتُتمتِم: «أحاول أن أكون أمّاً لكلّ سجينة تفتقر إلى حنان والدتها، ولكنّ الوالدة أيضاً تحتاج إلى أمّ، وحرمانُها لي من رحمتِها أصعب من تجربة السجن».



آه يا بيروت...

يشكّل القفص أو سطح السجن المسيّج، متنفس السجينات الوحيد، من وراء قضبانه تجلس رنده مرةً تحاكي بيروت معاتبة الأقدار، ومرات تنهمك بالاشغال اليدوية، «بدي جمّع حق التلكارت، بدي إحكي بنتي». لم تتخيّل رنده نفسها يوماً في هذا الوضع المحزن، فقد خسرت إبنتها ووالدتها دفعة واحدة. كل ما في الأمر أنها أرادت إيجاد زوج مثالي لإبنتها الوحيدة، إلّا أن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر. وتخبر: «ذات يوم بينما كان يزورنا في المنزل، إضطررت للخروج وترك «العريس» مع والدتي المسنّة، ولدى عودتي وجدتها مقتولة، لا شك في أنه هو من قتلها بدافع السرقة. إبنتي اليوم وحيدة تركت دراستها وتعمل لتُعيل نفسها، أما أنا فليس بوسعي إلّا الإدخار لتوفير كلفة المكالمات الهاتفية». 

حرقة قلب رحاب لا تقلُ وطأة عن سيف الأحزان الذي يحزُ في قلب رنده. منذ نحو شهرين دخلت رحاب إلى السجن وتأبى الإنخلاط مع أحد، يصعب عليها تصديق ما حدث معها. مع إندلاع الحرب في سوريا إنتقلت تلك العائلة للعيش في لبنان، وهمّ متابعة تعليم أولادها يشغل بال الأم، لذا سهرت على تدريسهم ومتابعة علاماتهم، إلى ان إكتشفت ذات يوم ان إبنيها رسبا وعمدا على إخفاء علاماتهما، وبعدما كان عيل صبرها من توجيه لهما الملاحظات عمدت إلى ضربهما، فكانت الدهشة الكبرى أن فارق أحد الصبيين الحياة بعد وقت قليل. 

تعجز رحاب عن التحدث، وتكتفي بترداد: «قلبي رح يطقّ من الوجع... أنا شو عملت لربي؟»... ألا يكفيني وفاة إبني المفاجئ وإبتعادي عن بقية أولادي... والله هيدي مش حياة». 



أمنيات... ورغبة واحدة

تسريع الإجراءات القضائية والنظر في المحاكمات، تمديد فترات الزيارات، إستحداث غرفة للقاءات على انفراد، تحديد يوم في السنة لتمضيته مع عائلتهم في السجن... تتعدد مطالب الأمهات السجينات وتتفاوت أمنياتهن. ولكن هاجساً واحداً يقضّ مضجع كلُ واحدة منهن في عيد الأم، ألّا يبقى حضنها بارداً وذراعاها جائعتين لضمّة ترطب وحشة أيامها، وتخفف عن كاهلها وطأة الإهمال التي تُلازم السجون. 

بصرف النظر عن الأسباب التي أدت إلى دخولهن السجن، تبقى السجينة أماً أنجبت، أرضعت، وبين ضلوعها روحاً أسكنت... ألا تستحق إلتفاتة أقلّه في عيدها؟

No comments:

Post a Comment

Archives