The Lebanese Center for Human Rights (CLDH) is a local non-profit, non-partisan Lebanese human rights organization in Beirut that was established by the Franco-Lebanese Movement SOLIDA (Support for Lebanese Detained Arbitrarily) in 2006. SOLIDA has been active since 1996 in the struggle against arbitrary detention, enforced disappearance and the impunity of those perpetrating gross human violations.

Search This Blog

February 22, 2010

Annahar - Palestinians Refugees Camps

الاثنين 22 شباط 2010 - السنة 77 - العدد 23967
تحقيق
عـــوامل دينـيـة وأمنـيـة واقتصاديــــة واجتماعيـــــة وراء توزيعهــــا الجـغــرافي

المخيمات الفلسطينية 15 "غيتو" 3 منها دمّرت خلال الحرب
تجمعات تفتقد مقوّمات الحياة لأنها "موقتة" في انتظار العودة الحلم
كتب عباس صالح:
في العام 1948 نزحت أعداد كبيرة من ابناء قرى فلسطين، هرباً من المجازر التي ارتكبتها عصابات "الهاغانا" التي استباحت دماءهم، وارتكبت في حقهم ابشع جرائم جماعية يشهدها القرن العشرون.
في ذلك الحين سار الاحياء من أبناء القرى الفلسطينية المستباحة، قوافل حفاة على هديهم، في البراري بحثا عن أماكن تحميهم من الموت المزروع في كل الازقة والشوارع والمباني والبيوت، في مناطق الجليل وحيفا وعكا ويافا، وكل المدن التي اصطلح على تسميتها لاحقا بأراضي الـ48، ريثما يهدأ نزيف الدم، وتنجلي سحب الضباب الاسود التي خلفتها حرائق الممتلكات، على مشهد الخسائر النهائية لحرب، قيل لهم انها لن تستمر أكثر من 15 يوما، ليعودوا... لكنهم منذ ذلك التاريخ ينتظرون نهاية مهلة الاسبوعين، التي لم تأت منذ 62 عاما حتى تاريخه.
القوافل الهاربة من مناطق الجليل وصلت الى اراضي الجنوب اللبناني القريبة جغرافيا، بعدما كان لبنان على الصعيد الرسمي اتخذ قرارا بإيواء الاشقاء المشردين، فأقيمت الخيم في عدد من المناطق الحدودية القريبة للاستقبال الفوري لهم وعلى وقع توافدهم اليها انتقل رئيسا الجمهورية والحكومة في حينه بشارة الخوري ورياض الصلح الى منطقة صور حيث رحب كل منهما على طريقته "بالاشقاء من ابناء البلد" فأطلق الخوري عبارته الشهيرة: "ادخلوا بلدكم" وسجل الصلح مواقف ما يزال الفلسطينيون يرددونها حتى الآن، فيما رسخت في أذهانهم جملة اطلقها وزير الخارجية في حينه عبد الحميد فرنجية هي: "سنتقاسم لقمة الخبز مع بعضنا، وستعيشون كما نعيش".
نصبت الخيم القماشية على عجل، ونزلت فيها اعداد كبيرة من اللاجئين، في حين توزعت اعداد أخرى على بيوت اللبنانيين ممن استقبلوهم بالترحاب، وتقاسموا معهم، فعلا، لقمة الخبز ومستلزمات الحياة، على أساس ان عودتهم الى فلسطين مسألة أيام.
بعد التطورات التي حصلت في حينه وبينت ان العودة ستصير مع تراكم الايام والسنين حلما مستحيلا، بدأت الاوساط المعنية في الجانب اللبناني، تفكر في توزيع اللاجئين على أماكن تحفظ لهم خصوصيتهم، ولا تنسيهم حقهم في العودة الى أرضهم وقضيتهم المركزية. تواكب ذلك مع قرارات اتخذتها الدول العربية آنذاك أسفرت عن توزيع اعداد اللاجئين بين الاردن ولبنان وسوريا في شكل اساسي، فيما لجأت اعداد قليلة الى دول عربية أخرى.
في ذلك الحين اتخذ قرار رسمي في لبنان بتوزيع اللاجئين الفلسطينيين على أراضيه الى 15 مخيما اقيمت لهذه الغاية في كل المناطق اللبنانية هي: الرشيدية والبرج الشمالي والبص في صور، ومخيم عين الحلوة، والمية ومية في صيدا، ومخيم مارالياس وبرج البراجنة وشاتيلا في بيروت، والضبية في جبل لبنان، والجليل في بعلبك، ونهر البارد والبداوي في الشمال. اضافة الى 3 مخيمات تم تدميرها خلال الحرب الاهلية وحروب اسرائيل، هي تل الزعتر وجسر الباشا في جبل لبنان، ومخيم النبطية الذي دمرته اسرائيل خلال اجتياح العام 1978.
ولاسباب إنشاء كل من هذه المخيمات ظروف معينة، وحكاية مختلفة، لكنها تتمحور في مجملها حول عوامل متداخلة، ابرزها العامل الاقتصادي والعامل الامني والعامل الديني، الى عوامل اجتماعية لعبت في بعضها الصدف دورا أساسيا.
في هذا التحقيق محاولة لإلقاء الضوء على الاسباب التي أدت في حينه الى هذا التوزيع الجغرافي القائم لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ومحاولة للاجابة عن اسئلة مفترضة من قبيل: لماذا تم "تشتيت" الفلسطينيين وتوزيعهم على مخيمات متعددة في حينه بدلا من ايوائهم في مساحة كبيرة من شأنها ان تستوعبهم جميعا؟ واذا كان لا بد من توزيعهم على مخيمات عدة فلماذا جاء التوزيع على النحو الذي هو عليه اليوم؟ ومن هي الجهات التي قدمت اثمان الاراضي التي شيدت عليها المخيمات الفلسطينية؟ ولو تم الوقوف على رأيهم في حينه، هل كانوا سيفضلون تجميعهم في مكان واحد على توزيعهم في مخيمات؟ وهل اصبحت لكل مخيم خصوصية معينة اليوم، فيما هو يتفاعل مع محيطه ايجابا ام سلبا غالبا؟ الى اسئلة تتمحور حول الجدوى من التوزيع الجغرافي لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان طرحناها على الباحثين الفلسطينيين سهيل الناطور وفتحي كليب، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني - مسؤول "الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين" في لبنان علي فيصل، ومدير مؤسسة الدراسات الفلسطينية، اللبناني محمود سويد.
الناطور: المخيمات تحافظ على البوتقة الوطنية
وتعيد إنتاج الوعي الفلسطيني
الناطور روى حكاية وصول الفلسطينيين الى لبنان العام 48 حيث "انتقل معظم ابناء الريف القريب المحاذي للحدود اللبنانية الى المناطق المحاذية لهم، اما اهل القرى التي هوجمت من عصابات "الهاغانا" فقد ذهب اهلها الى حيفا او عكا حيث تجمعوا هناك، الى ان هوجمت المدينتان فتم نقلهم بالبواخر، جزء منهم الى لبنان وجزء الى سوريا. وهؤلاء جميعا جاءوا وهم يحملون فكرة انه "عندما يتوقف اطلاق النار سنعود". ولذا لم يفكر احد منهم أين سيستقر، فنام بعضهم تحت الشجر، وبقي اشهرا، وبعضهم بالمغر، وبعضهم على اطراف القرى والبعض منهم أخذهم الاهالي الى بيوتهم، فيما حاولت الشرطة اللبنانية في حينه ان تجمع الفلسطينيين في مخيمي البص والرشيدية باعتبار ان هذين المخيمين كانا قائمين، البص كان مخيم الارمن في السابق، وكان مهجورا في حينه، وقد جمع اكبر عدد منهم".
يضيف: "بعدما توقف اطلاق النار وبدأت المحادثات في رودس، كان القرار ان تغلق الحدود في شكل كامل، ولكن قبلها حاول كثير من اللاجئين العودة، فمنهم من نجح وعاد، كعائلة محمود درويش، ومنهم من استشهد بالكمائن الاسرائيلية. ومنعا للاشتباك، أقفل اللبنانيون الحدود في شكل كامل وفقا لاتفاق رودس. وهنا كان الوجه الآخر للموضوع، وهو محاولة ايجاد حل انساني لهؤلاء الذين يجب ان يعودوا الى فلسطين وفقا لقرار الامم المتحدة. في ذلك الحين لم تكن "الاونروا" قد انشئت، وكان الصليب الاحمر الدولي ومؤسسة الـ"كويكرز" الاميركية الدينية يأتيان بالمساعدات ويقدمونها للاجئين الفلسطينيين. وهنا بدأت الاتجاهات تبرز بتنوعات، منها شيء اهلي، حيث بدأ الفلسطينيون يتواصلون لمعرفة اين وصل اشقاؤهم او اقرباؤهم، وبدأوا يجمعون انفسهم بشكل عائلي. اما اللبنانيون، فالسلطة كانت شيئا والشعب شيئا آخر. والسلطة ايضا كانت جزأين، السلطة الرسمية رحبت بنا ورئيس الجمهورية نزل الى تجمعات اللاجئين في صور مصطحبا معه مجموعة من الاطباء والممرضين ومعهم الادوية واللقاحات، ذلك ان امراضا كانت بدأت تتفشى. وهو شخصيا اشرف على هذا الموضوع. لذلك كان الموقف السياسي العام محتضنا لهؤلاء الفقراء اللاجئين بينما أجهزة الامن أخذت من محطة السكة في صور اول "ترام" ملأته بعدد كبير من اللاجئين وانطلق نحو الشمال حتى وصل الى طرطوس وافرغ اول مجموعة من اللاجئين كانت قد وصلت. المجموعة الثانية حملتها شاحنات للجيش واتجهت بها ايضا الى الشمال، عندها انتبه السوريون الى ان اللبنانيين يحاولون ان يجعلوا كمية اللاجئين عندهم اقل وعند السوريين اكثر، فاغلقوا الحدود، ولذلك انزل الجيش مجموعة اللاجئين وانشئ مخيم النهر البارد. من هنا بدا ان هناك قرارا امنيا من المكتب الثاني الذي كان يرى ان هذا الامر سيخلق مشكلات، وبالتالي يجب إبعاد الفلسطينيين الى الحدود واذا امكن ابعادهم عن لبنان، وهذه حكاية انشاء مخيم نهر البارد.
اما مخيم مار الياس، فقد اخذ انشاؤه طابعا مذهبيا دينيا، اذ عندما وصلت الباخرة من حيفا نزل الاهالي اللبنانيون واستقبلوا اللاجئين، وكان بينهم شيوخ وكهنة وغيرهم. وفي سياق محاولة تقسيم الفلسطينيين على احياء ومناطق لتسهل مساعدتهم، نادى الكهنة الارثوذوكس على ابناء الرعية الفلسطينيين ان تعالوا مؤقتا نأخذكم الى الدير في مارالياس وعندما ينتهي الامر نساعدكم في العودة الى بلدكم. وقد استضافوهم في الدير وبعدما توقف القتال وبدا ان الاقامة ستكون طويلة طلبوا منهم الخروج من الدير الى قطعة ارض محاذية تابعة للدير فيها شجر زيتون حيث انشئت الخيم وصارت لاحقا مخيم مارالياس. في العام التالي 1949 اتخذ قرار انشاء (وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين) "الاونروا"، وعندما اتت اعترفت به مخيما وعقدت عقد ايجار مع الدير. اذاً مخيم مارالياس كان يضم عائلات روم ارثوذكس فلسطينية، وبعد الحرب التي قامت بها "حركة أمل" هرب كثير من اهالي شاتيلا وبرج البراجنة للالتجاء الى مخيم مارالياس الذي لم يكن قد شهد حربا ولم يقع عليه القتال لانه يقع في منطقة معظمها خاضعة لنفوذ الحزب التقدمي الاشتراكي الذي لم يشارك في الحرب. وعندها بدأ التبدل في بنية المخيم السكانية، ولم يعد المخيم مسيحيا فاختلط وباتت الاغلبية الآن من المسلمين. جزء من المسيحيين، اخذ بعض التعويضات للافراغات وذهب الى مخيم ضبية الذي تعرض ابناؤه في بداية الحرب للذبح على يد "القوات اللبنانية"، علما ان قاطنيه كانوا من المسيحيين الكاثوليك، وهو المخيم الاول الذي ذبح في لبنان. لذلك فان الصراعات والحروب كانت احد الاسباب في اعادة توزيع الانتشار وبنية المخيمات.
السبب الجوهري الآخر هو البحث عن رزق، فالفلسطينيون الذين وصلوا الى بيروت واستقبلهم الطرف الاسلامي ذهب جزء منهم الى ما يعرف الآن بمخيم شاتيلا، وهو ارض مملوكة للبناني اسكن جزءا من اللاجئين في ارضه بانتظار عودتهم الى دورهم، وكانت الارض معروفة باسم الباشا شاتيلا وبقي اسمها حتى الآن وهي عبارة عن ارض مملوكة، وبعد مجيء "الاونروا" تعاقدت معه.
في برج البراجنة كانت البداية مع سبع عائلات وصلت الى ما يسمى الآن بـ"جورة التراشحة" سكنتها هذه العالات وكان الهدف الرئيسي ان يكونوا خارج بيروت، ذلك ان هاتين المنطقتين كانتا بعيدتين عن المدينة وخارجها تماما، وكان قاطنوها العاملون في بيروت يسيرون مشيا الى منطقة الحرش عند سينما سلوى ويأخذون الترام اذا ارادوا الذهاب الى العمل في السوق، بينما الذين في برج البراجنة كانوا يتعاطون العمل الزراعي لان كل المنطقة هناك كانت اشبه بريف.
مخيمات الجنوب ايضا جزء من الذين كانوا يعملون في الزراعة هناك فتم استيعابهم لان اصحاب الاراضي خاصة من آل عسيران وآل البزري والخليل وغيرهم لم يكونوا اشتغلوا بالحمضيات بعد، وعندما جاء الفلسطينيون نظموا عملية زراعة الحمضيات التي اكتسبوها من فلسطين، وعليه استُغِلت أجزاء كبيرة جدا من هذه المخيمات كيد عاملة، فاستقرت العائلات في مخيمات الجنوب. ولذلك فان هذا التكوين كان اساسه اقتصاديا، فالفلسطينيون وفروا يدا عاملة رخيصة ومزارعة وخبيرة، وكان هذا سبباً رئيسياً ايضا من اعادة توزيع الفلسطينيين او اعادة تموضع عائلات فلسطينية هنا او هناك. الكثير من اصحاب الاراضي اللبنانيين اعطوا لعائلات العمال الفلسطينيين اراضي ليبنوا عليها أكواخهم وليقيموا فيها، لذلك هناك تجمعات فلسطينية تكاد تبلغ أكثر من عدد المخيمات الآن، اسبابها الجوهرية هي الاستخدام الزراعي. وما حصل في ما بعد في تل الزعترناتج من الصناعة المحلية اللبنانية التي كانت في بدايتها، وكانت اليد العاملة الرخيصة تأتي من الجنوب ومن البقاع ومن الفلسطينيين، وعليه يقال ان الحرب التي حصلت على مخيم تل الزعتر هي حرب ذات هدفين رئيسيين قامت بهما "القوات اللبنانية" اولهما ارتفاع اسعار الاراضي في شكل هائل بسبب المزيد من انتشار المصانع، وبالتالي حاجة اصحابها الى اراض للبناء، فكان لا بد من التخلص من المقيمين. ثانيا البنية الطائفية في البلد تريد مناطق مقفلة، وهؤلاء يمثلون حال فقر شديد يعملون يوميا ويستطيعون ان يوفروا الاكل لعائلاتهم. ولكن هذا الفقر الشديد طبقيا كان بدا يعي مع انتشار الافكار الاشتراكية وتقوية اليسار في لبنان وفي صفوف الفلسطينيين، عندها حتى لا تصل المسألة الى صراع طبقي استبقت "القوات اللبنانية"هذا باعادة تحويره الى صراع مذهبي ديني، ولعبت الورقة ان المسلمين والوطنيين مع الفلسطينيين وان المسيحيين ضدهم والصورة هي ليست كذلك. في هذا الاطار مخيم تل الزعتر هو مخيم بني في فترة لاحقة في الخمسينات وليس في بداية 48.
اعادة التوزيع الاخرى لبنانيا لم تكن دائما لاسباب امنية فقط، بل كانت بعض الاسباب الامنية احيانا مساعدة للطرفين اللبناني والفلسطيني، كما حصل مع مجموعة من الاهالي انتشرت في البقاع ووصلت الى قرية عنجر حيث معظم السكان من الارمن، وكانت هناك مجموعات من الفلسطينيين. اختلف الفلاحون الفلسطينيين مع الفلاحين الارمن على الزراعة في الارض واشتبك اولادهم ذات مرة في صراع سقط فيه عدد كبير من الجرحى، فتدخل الدرك واتخذ قرارا بنقل كل الفلسطينيين المقيمين في عنجر الى الشمال، حيث وضعوا في حينه في منطقة الخان الشهيرة، وبعد ذلك، لان هذه المنطقة مهددة بالهدم، أخذت الدولة قرارا بانشاء مخيم البداوي، وكان يسمى بمصيف المخيمات، لان مساحته واسعة وبناؤه جديد ذلك لانه بني بعد نحو 10 سنوات على وصول الفلسطينيين الى لبنان. اذاً عمليا ليس هناك عامل واحد، هناك عوامل اخرى متأثرة بازالة بعض المخيمات ايضا، مخيم الجليل كان لبقايا ما تم جمعه من المنتشرين في قرى البقاع، تم وضعهم قرب بعلبك لسبب جوهري هو انهم يوفرون يدا عاملة في المدينة، فأخذت الثكنة العسكرية القديمة لانها مسورة وبالتالي يمكن ضبطهم امنيا بسهولة. المنطق كان يقضي بضرورة وضع الفلسطينيين في مكان محصور يمكن الاشراف عليه امنيا، ويمكن استخدامهم سواء في المناطق القريبة بالزراعة او في مدينة بعلبك كيد عاملة".
عن خصوصية كل مخيم يرى الناطور ان "الخصوصية الكبرى والاهمية الكبرى في المخيمات هي في انها تحافظ على البوتقة الوطنية، هي مصنع واعادة انتاج الوعي الفلسطيني بكيانيته، ولذلك مسألة حق العودة ليست شعارا، انما هي التعبير الرديف لكلمة هوية فلسطين لان هذا الفلسطيني لاجئ، اذا اقل حقوقا من غيره، ويتساوى مع غيره في حقه الوطني في العودة والنضال في سبيل ذلك. هذا المضمون الذي يسد ثغرة الوطنية الفلسطينية.
النقطة الثانية في المخيمات، هي اننا نقلنا من مجتمعنا القديم ايضا صيغة العلاقات المجتمعية العائلية والقبلية، ففي مخيم عين الحلوة ترى حي الصفصاف، حي البيرة... الخ، اي ان أهل القرى حاولوا ان يجتمعوا مع بعضهم، وفي هذا الاطار اعتقد اننا حافظنا على جزء من تراثنا، الاغاني الفلسطينية، الدبكة، الفولكلور، الاعراس، الوفيات، نمط العلاقات الاجتماعية كالمصالحات التي تتم في المناسبات وهي جزء من التقاليد الشرق اوسطية كلبنان وسوريا. لكننا نقلناها معنا وصارت تتفاعل اكثر في المخيم، وهذا ما ساعد كثيرا على دعم فقرائنا المسحوقين من العائلات، ان عائلة فيها عدد من الاغنياء وعدد من الفقراء المسحوقين، تخلق صيغ تكافل اجتماعي، هذه ايضا اهمية المخيمات.
النقطة الاخرى هي ان الفلسطينيين جميعا تفاعلوا مع انبثاق الثورة الفلسطينية وفصائلها والتحقوا هنا او هناك او لم يلتحقوا بل انتموا فكريا، لكن الطاقة الشابة الرئيسية وهي العنصر الفعال في العمل السياسي والحزبي والجماهيري والميليشيوي كانت تمثل بابناء المخيمات، لانها تمثل اعدادا كبيرة وطاقات متجمعة وقادرة على التفاعل مع الجوار ايضا في الاطار نفسه، لذلك مراكزنا في المخيمات شكلت في بداية الثورة مركز تجميع للشباب الفلسطيني وانضما اليها كثير من الشباب اللبناني".
يعتقد الناطور ان "النقطة السلبية في التجميع تتمثل في ان هؤلاء البشر المحكومين بنمط من القوانين لا تسمح بتطوير وضع بنيتهم التحتية والسماح لهم بأن يبذلوا طاقتهم لبناء افضل وتوفير مستقبل افضل لاولادهم، ولان مفاهيمهم الاجتماعية عن الاولاد والزواج والخلفة هي تقليدية وتتأثر عموما برفض تحديد النسل لذلك فان عدد الاطفال كبير جدا في مجتمعنا ينمو بسرعة ليصبح شابا، لا يجد له مكانا لا للسكن ولا للزواج السريع ولا للعمل، هذا الاختناق يؤدي الى تفجرات سواء أخذت مظهر اشتباكات امنية بين ميليشيات، واحيانا تعبر عن مصالح افراد او مجموعات او عصابات، وعليه ثمة جزء من الاختناق الاجتماعي بكثافة السكن في المخيمات ونقصان الحقوق مؤثرة جدا، وربما هذا الذي ادى الى تسرب بعض الافكار والمجموعات غير الفلسطينية الى مخيم نهر البارد في هذا الاطار".
وردا على سؤال عما اذا كان اللاجئون الفلسطينيون يفضلون ان يتم تجميعهم في مكان واحد بدلا من توزيعهم على مخيمات متعددة، يبتسم الناطور ويجيب: "الظروف الامنية التي خبرناها في عالمنا العربي وفي الحالة التي كانت سائدة في لبنان منذ العام 48، الى بروز المقاومة اخيرا، كان الرأي يقول ان قوة لبنان في ضعفه، وعندما تكون قوته في ضعفه، يعني ان يستسهل الاضعف من فئاته اسرائيليا، ويمحى بسهولة، وكانت تجربة مخيم النبطية نموذجا، حيث أُفنيت مجموعة في قصف الطيران في شكل كامل، فكم بالحري لو جمعنا الفلسطينيين معا مع عدم قدرة لبنان على حمايتنا وعدم قدرتنا على حماية أنفسنا من عدو غادر كالاسرائيليين؟ انا اعتقد اننا سنكون لقمة سائغة لهم".
يتابع: "لم تخطر لأي فلسطيني فكرة تجميع الفلسطينيين ابدا، اما فكرة تنظيم الفلسطينيين وتنظيم حياتهم فهذا شيء آخر".
كليب: عدم التجميع مقصود
والدول العربية تواطأت
الباحث الفلسطيني فتحي كليب يرى ايضا ان "الهجرات الاولى الى المناطق المحاذية للحدود، جاءت بحكم طبيعة العلاقات التي كانت تربط ابناء المنطقة الحدودية في لبنان مع ابناء الجليل. فاللاجئون الفلسطينيون في لبنان بنسبة 90 بالمئة هم من ابناء منطقة الجليل، وهي المنطقة المحاذية للحدود اللبنانية، وجزء بسيط جاء من المدن. في البداية لم يفكر احد لا من الفلسطينيين ولا من اي هيئة لبنانية او غير لبنانية ان الهجرة قد تطول، ولذا اقاموا على الحدود خيما هي اشبه بالمخيمات الكشفية، بانتظار العودة الى فلسطين، ولكن مع تتابع عمليات الارهاب والمجازر في فلسطين بدأت الهجرات تزداد وتيرتها اكثر فأكثر، وراحت تتوزع على المناطق الجنوبية في شكل تلقائي في البداية، ذلك ان اكبر جالية كانت موجودة في فلسطين هي الجالية اللبنانية، ومن الطبيعي ان تكون الهجرة الى تلك المنطقة الجنوبية، ولكن بدءا من العام 1949، عندما شعر الجميع، فلسطينيين ولبنانيين، بان مسألة الهجرة ستطول، وان لحظة العودة سيطول امدها، بدأ التفكيرعمليا بنقل الخيم التي اقيمت في تلك المنطقة الى مناطق كان يقال عنها في حينه انها مناطق أكثر أمناً، وقد بدأت الدولة اللبنانية والمنظمات بعملية نقل المخيمات الى هذه المناطق ، (وبدأ التوزيع في شكل عشوائي في البدايات الاولى، ولكن بدءا من العام 1950 بدأت المخيمات تأخذ اشكالا اكثر تطورا من الخيم فبدأ البناء من الحجر والزنك) نقلت بعض العائلات من المناطق الجنوبية وتم توزيعها بالاستناد الى مجموعة من الاعتبارات، اولها: الاعتبار الامني، حيث سعت الدولة اللبنانية الى أبعاد المخيمات قدر الامكان عن المدن اللبنانية، وذلك ما نلاحظه في طبيعة انتشار المخيمات التي يبتعد معظمها كثيرا عن المدن اللبنانية. العامل الثاني كان العامل الاقتصادي، حيث توجهت بعض العائلات الى مناطق معينة بحكم كونها آتية بمعظمها من أصول فلاحية تعمل في الزراعة والارض، بعض العائلات اللبنانية أفادت من اليد العاملة الفلسطينية فقامت بمنحها بعض الاراضي للاقامة فيها. كعائلة الخليل في صور مثلا، بهدف تشغيلهم في الزراعة ومخيم الشبريحا (القاسمية) هو هبة من عائلات لبنانية، وكذلك الامر في منطقة البقاع فمخيم الجليل كان معظم سكانه في البداية يعملون في سهول القمح، لذلك فان هناك عاملا اقتصاديا في توزيع المخيمات يتمثل بالافادة من اليد العاملة الفلسطينية.
العامل الثالث هو طبيعة الترابط الأُسَري الفلسطيني، فالمعروف ان المجتمع الفلسطيني يتميز عن غيره، بدقة التكافل والترابط الاسري. لذلك نجد ان المخيمات المنتشرة اليوم تضم عائلات بعينها، مثلا اذا تحدثنا عن ابناء الكابري التي دمرت العام 1948 نجدهم يتجمعون في منطقة واحدة في مخيم معين، وكذلك الامر بالنسبة لابناء منطقة الحولي الذين يتجمعون في منطقة معينة. والمخيمات الفلسطينية لم تأخذ شكلها الحالي الا بعد فترات متقدمة، منذ العام 1954 عندما سمحت الدولة اللبنانية بتحويل الخيم من خيم قماشية الى بيوت من الزنك. فكانت معظم المخيمات الفلسطينية في مرحلة الخمسينات مشادة من الزنك، ولم يكن يسمح للفلسطيني ببناء منازل إسمنتية، وكان العامل الامني هو الذي يتحكم بهذه التجمعات، واي فلسطيني كان يريد الانتقال من مخيم الى مخيم او من تجمع الى تجمع، كان يحتاج الى إذن خاص من الاجهزة الامنية اللبنانية لان الدولة اللبنانية كانت تدرك في تلك الفترة ان مسألة الهجرة قد تطول، واذا منحنا الحرية الكاملة للفلسطينيين بالعمل النضالي من اجل العودة فقد تتحول المخيمات الى اماكن تثير قضايا لا تقبل بها الدولة اللبنانية، لذلك اقول ان العامل الامني هو الذي كان يحكم العلاقة بين ابناء هذه التجمعات والسلطات اللبنانية المعنية. ولكن بدءأ من منتصف الستينات، قبل مجيء المقاومة الفلسطينية بدأت الدولة اللبنانية تغض النظر، وبدأت التجمعات الفلسطينية تتحول منازل من الزنك، بحكم الامر الواقع شيئا فشيئا، الى ان جاءت المقاومة الفلسطينية واصبح الفلسطينيون يعيشون في المخيمات بحرية اكبر، حيث بدأت المخيمات تتطور شيئا فشيئا الى ان وصلت الى الشكل الذي تتخذه اليوم".
نسأل كليب عن رأيه في مدى امكان حصول صفقة في اطار معين أدت نتيجتها الى التوزيع الحالي للمخيمات جغرافيا، فيقول: "يمكن لنا ان نتحدث عن صفقة على مستوى الدول العربية في شكل عام، كيف تواطأت على تأبيد اللجوء الفلسطيني، بغض النظر سواء كانوا في لبنان او في سوريا او في الاردن او في الضفة الغربية المحتلة. فاذا راجعنا الوثائق التاريخية عن مجريات حرب 1948 يمكن لنا ان نجزم بان هناك تواطؤا حصل بين الدول العربية وبين بعض اصحاب القرار الدولي على ابعاد اللاجئين الفلسطينيين عن المناطق الحدودية قدر الامكان، لأن مسألة عودتهم لا يمكن ان تتم في لحظة معينة. ولبنان هو جزء من دول الطوق العربي ودول المواجهة العربية، مارس سياسته كما مارستها الدول العربية الاخرى. في سوريا مثلا المخيمات الفلسطينة اقيمت في مناطق تبعد كثيرا عن المناطق الحدودية مع الجولان على سبيل المثال. بهذا المعنى يمكن ان نتحدث عن صفقة في شكل غير مباشر لابعاد مخيمات اللاجئين، والا ما هو السر في ان المخيمات مثلا لم تشيّد في المناطق الحدودية؟ كان من المنطقي في تلك الفترة، بما ان هناك علاقات متينة ما بين ابناء منطقة الجنوب ومناطق مدن وقرى الجليل الفلسطيني ان تشيّد المخيمات في مناطق مرجعيون والخيام وبانياس، اي المناطق التي نزل بها اللاجئون في المراحل الاولى".
وعن فرضية تجميع الفلسطينيين في منطقة لبنانية واحدة، يرى كليب انه "كلما اقتربت المخيمات من بعضها البعض كان هناك تفاعل اكثر على المستوى الوطني". ويسوق مثالا على ما تم تناقله قبل سنوات عن ايجاد اماكن ايواء للمهجرين الفلسطينيين في بعض المناطق، ومنها القريعة، ليخلص الى القول بأن"الموقف الفلسطيني في تلك الفترة ان الارض التي ستبنى عليها منازل للفلسطينيين يجب ان تكون في منطقة بين صيدا وبيروت". ويوضح أكثر: "اعتقد ان عدم تجميع المخيمات كان مقصودا، وقد ذكرت بداية انه كانت هناك نزعة امنية بالتعاطي مع المخيمات الفلسطينية، وكان الهدف من ذلك، هو انه كلما تفرقت المخيمات الفلسطينية عن بعضها كانت هناك قدرة امنية اكبر على السيطرة عليها، في تلك الفترة لم تكن لدى الفلسطينيين هيئات رسمية تتحدث باسمهم، وبالتالي لم يكونوا في وضع يمكّنهم من فرض شروطهم، في ان يقيموا في هذا المخيم او ذاك، وكانت الدولة اللبنانية بأجهزتها والصليب الاحمر الدولي بأجهزته ايضا و"الاونروا" بعد ذلك، هذه الاطراف الثلاثة كانت هي التي حددت الاماكن التي يجب ان يقيم فيها الفلسطينيون، وليس الفلسطينيون هم من اختاروا. ولو كان الامر يتعلق بالفلسطينيين، فهناك الكثير من الوثائق تؤكد انهم لم يغادروا المناطق الجنوبية التي اقاموا فيها بداية الامر بمحض ارادتهم، بل لوجدنا الآن ان كل المخيمات الفلسطينية ما زالت موجودة في الجنوب اللبناني في المناطق التي نزلوا فيها للمرة الاولى.
وعن الجهات التي قدمت اثمان الاراضي التي شيدت عليها المخيمات الفلسطينية ؟ يقسم كليب المخيمات الفلسطينية في لبنان الى ثلاثة اقسام: اولها المخيمات الفلسطينية الرسمية التي تعترف بها الاونروا وعددها 12 مخيما (تم ذكرها في المقدمة) وثانيها التجمعات الفلسطينية الاخرى التي نشأت بحكم الحاجة، والتي يوازي عدد سكانها تقريبا عدد السكان الموجود داخل المخيمات. ذلك ان مساحة المخيمات ما زالت على حالها منذ انشائها، والدولة لا تسمح بالتوسع ولا بالبناء العمودي، ما اضطر عددا من سكان المخيمات الى اللجوء الى تجمعات أخرى كالقاسمية وجل البحر وشبريحا، وسعدنايل والفاكهاني ووادي الزينة، وهناك الكثير من هذه التجمعات الفلسطينية تختلف ظروفها عن ظروف المخيمات. وهناك القسم الثالث الذي يندمج في المجتمع اللبناني، فيقيم في المدن اللبنانية وابرزها بيروت وصيدا في شقق سكنية". ويضيف: "ان اراضي المخيمات الاساسية ايضا تنقسم الى ثلاثة انواع فهناك اراض تقدمة من الرهبانيات المسيحية، كمخيم مارالياس الذي هو ملك للرهبانية الارثوذكسية، ومخيم ضبية الذي هو تقدمة من الرهبنة المارونية. وهناك مخيمات تقدمة من الدولة اللبنانية، وهناك مخيمات تستأجرها "الاونروا" على فترات طويلة من اصحابها اللبنانيين. وقد حدثت امور قانونية في بعض الاحيان ما بين اصحاب الاراضي ووكالة الغوث حول عقود الايجار".
فيصل: اسباب التوزيع اقتصادية اكثر منها امنية
عضو المجلس الوطني الفلسطيني – مسؤول "الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين" علي فيصل في لبنان رأى في عملية توزيع المخيمات شيئا جاء تلقائيا وطبيعيا في شكل غير مخطط له، وآخر له علاقة بحاجة السوق والعمل، اذ كان الفلسطيني يحتاج الى عمل واللبناني يحتاج الى يد عاملة في ذلك الحين. ويقول: "لو اخذنا مخيم تل الزعتر مثالا، فقد جاء تمركزه في منطقة صناعية هي منطقة المكلس، اما مخيمات صور فقد كانت تلك المنطقة زراعية واقيمت حولها مخيمات الرشيدية، البص، البرج الشمالي، او تجمعات الشبريحا، ابو الاسود وكلهم منتشرون في البساتين وحولها، وذلك لاسباب تتعلق بحاجة الفلسطيني الى العمل وحاجة اللبناني الى اليد العاملة في المهن الشاقة، لان اللبناني لا يعمل فيها. وقد تكون هناك اسباب أمنية معينة، ذلك انه كان هناك مخيم في عنجر قريب جدا من الحدود السورية وحدثت مشكلات بين الفلسطينيين والارمن، ما اضطر المعنيين الى توزيع جزء من الفلسطينيين على مخيمات صور اوعلى بقية المخيمات في لبنان، ولهذا اقول ان السبب امني. مخيم نهر البارد كان مقررا ان ينقل في حينه الى سوريا ولكن لم يجر التوافق على ذلك، والسبب من وجود البارد هو في وجود مصفاة البترول الى جانبه وهي تحتاج الى عمال، وعلى هذا الاساس كان مخيم البداوي والبارد، لكن البارد كان الاكثر تلبية لليد العاملة للمحطة".
ويقرأ فيصل التمدد حول المدن فيرى فيه هدفين لبنانياً وفلسطينياً، وانشاء المخيمات يبدو انه شهد صعوبات في حينه".
ولا يرى فيصل قدرة على جمع المخيمات في مكان واحد، "لذلك كانت اسباب التوزيع اقتصادية اكثر منها امنية. لكن هذه الاسباب طبعا تواءمت مع العقل الامني، ذلك ان الدولة اللبنانية في حينه تعاطت مع الفلسطيني تعاطيا أمنيا، واستسهلوا السيطرة على المخيمات من خلال اقامة مخافر للدرك او مراكز للشعبة الثانية يومها، حيث كان في كل مخيم مركز للمكتب الثاني وكان المخيم في حالة امنية صعبة في حينه، ولذلك قد ترى ان نشر المخيمات حول المدن سببه القدرة على الضبط الامني من مناطق بعيدة نسبيا، حيث السلطة المركزية قادرة وسيكون لها اذرع ومتواجدة، وهذا قد يكون سببا من الاسباب طبعا.
ويعرب عن اعتقاده ان "الانسب للفلسطينيين ان يكونوا جماعات في مخيمات لكي يحافظوا على خصوصية فلسطينية لها علاقة بالنسيج الاجتماعي وعدم التبدد، فالتجمع الواحد لا يلبي لهم حاجاتهم الاقتصادية، ولو تم تجميعهم في منطقة واحدة، أين سيعملون؟ كما انه لا يلبي الحاجة اللبنانية ايضا في سوق العمل. وفي كل الاحوال فان الفلسطيني ينظر الى المخيم كبيئة اجتماعية متماسكة، ومكان يحفظ هويته الوطنية وخصوصيته الى حين العودة ولذلك تراه حين دمر مخيم البارد اعتبر ذلك مسا بنسيجه الاجتماعي، وأضعف نضاله من اجل، حق العودة ويؤدي الى التهجير. وحين اقتلع مخيما تل الزعتر وجسر الباشا اضعفا الوجود الفلسطيني واضعفا القدرة على النضال من اجل حق العودة".
سويد: عوامل عديدة حكمت توزيعهم
كما يروي الكاتب اللبناني في الشؤون الفلسطينية محمود سويد ان "عوامل عدة ساهمت في توزيع المخيمات جغرافيا بهذا الشكل، أولها عامل القرابة، نظرا لأنه كانت هناك علاقات وطيدة جدا وتبادل سكاني، بمعنى ان الكثيرين من اللبنانيين كانوا يعملون في فلسطين والكثير من الفلسطينيين كانوا يعملون في لبنان، وذلك ما انشأ علاقات قربى بين عائلات كثيرة من البلدين، كالتزاوج وغيره، فالذين جاؤوا الى بعض مناطق الجنوب برا تحكمت عوامل القربى في البداية بمجيئهم، وبداية ربما قصدت عائلة اقرباء لها في قرية معينة ثم أتى اليهم اقرباؤهم مع عائلات اخرى وهكذا تكونت مجموعات من اللاجئين. وهناك عامل آخر هو التخصص المهني، ذلك ان الذين ذهبوا الى الجنوب بداية اشتغلوا في الزراعة وفي بساتين قريبة من صيدا وصور، وصارت الحاجة الى العمل تجتذب العمال الذين كانوا يعملون في البيارات والبساتين في فلسطين، هؤلاء وجدوا عملا مماثلا في بساتين منطقتي صيدا وصور اضافة الى المهن البحرية كمهن صيد السمك وغيرها. اما الذين كانوا يعملون في الخدمات فتمركزوا في ضواحي بيروت حيث عملوا في المقاهي والمطاعم وكل اشكال اليد العاملة في اماكن مختلفة من المدينة، وكان هناك فئة من اساتذة الجامعات والاطباء والعاملين في المهن الحرة والمصارف، هؤلاء ايضا تجمعوا في مناطق قريبة من بيروت، ثم تكونت منهم هذه المخيمات. وثمة في الاساس من تمكنوا من جذب ثرواتهم الى لبنان وسكنوا في مناطق مختلطة مع لبنانيين.
وهناك عامل لبناني هو الجانب الامني والاستخباراتي. فربما وجدت السلطات الامنية اللبنانية ان من الافضل الا يقيم كل المهاجرين الفلسطينيين في ذلك الوقت في مكان واحد، وبالتالي تم توزيعهم بهذا الشكل لدواع امنية لبنانية. طبعا ربما ارادت السلطات اللبنانية ان تقيم مجموعات منهم في اماكن قريبة من الحدود، وربما هم ايضا ارادوا ذلك على أمل العودة القريبة فسكنوا في مناطق قريبة من الحدود، ومن هنا كانت يحصل احيانا عمليات تسلل من الحدود اللبنانية الى فلسطين وخصوصا بعد نشوء العمل الفدائي والقيام بعمليات فدائية داخل الاراضي المحتلة، ربما كان هذا احد العوامل.
كما يمكن ان يكون عامل توزع اللاجئين الفلسطنيين في المخيمات على أساس قراهم عاملا اساسيا، فهناك قرى بكاملها تقيم في مخيم واحد، اعتقد انها هذه هي العوامل التي حكمت التوزيع لان حضورهم كان الى حد بعيد غير مخطط له وغير منظم، انما كانت افواج من اللاجئين تدخل الحدود وتبحث عن اماكن اقامة مؤقتة، ولذلك لا أعتقد ان شيئا من هذا القبيل كان مخططا له سابقا، انما أتت عملية التوزيع في شكل عفوي بدليل ان الجيوش العربية التي دخلت الى فلسطين دخلت على اساس انها ستحرر فلسطين وان اللاجئين سيعودون بسرعة الى قراهم وبيوتهم، وبالتأكيد لم يكن هناك مخطط ان الجيوش ستهزم وسيبقى اللاجئون في البلدان المضيفة كل هذا الوقت".
وحول تجميع الفلسطينيين في منطقة واحدة يعتقد سويد ان الوضع الحالي أجدى للفلسطينيين "فكما لاحظنا في مخيم نهر البارد حيث العودة اليه اصبحت قضية كبيرة، والفلسطينيون الذين كانوا يقيمون فيه يرفضون ان ينقلوا الى مكان آخر. وهذا شيء طبيعي، حتى المخيم صار مطلبا له رمزية خاصة اعتقد انه لو تم التجميع في ذلك الحين لكانت اعداد منهم ستنتقل الى اماكن قريبة من اعمالهم، وبالتالي سيشكلون تجمعات جديدة في ضواحي بيروت والجنوب وكل المناطق للعمل، وستنشأ المخيمات الحالية، او ما يشبهها".


.........................................................................................................................................................................................
جميع الحقوق محفوظة - © جريدة النهار 2010

No comments:

Post a Comment

Archives