The Lebanese Center for Human Rights (CLDH) is a local non-profit, non-partisan Lebanese human rights organization in Beirut that was established by the Franco-Lebanese Movement SOLIDA (Support for Lebanese Detained Arbitrarily) in 2006. SOLIDA has been active since 1996 in the struggle against arbitrary detention, enforced disappearance and the impunity of those perpetrating gross human violations.

Search This Blog

September 27, 2012

Alakhbar - Lebanon, Alan Manarg Lebanese War 3, September 27 2012


مطلع عام ١٩٨٣، كانت إسرائيل قد بدأت تراهن على الطوائف اللبنانيّة الأخرى، فيما الرئيس أمين الجميّل مصرّ على نشر الجيش اللبناني في بيروت الشرقيّة، معيداً «القوّات اللبنانيّة» إلى حجمها السابق كميليشيا حزبيّة، بعد أن تحوّلت جيشاً حقيقياً يعيش من الهيمنة على الحوض الخامس في مرفأ بيروت. في نهاية الجولة، سيستقيل فادي أفرام من قيادة «القوّات» لتبدأ صفحة جديدة ستشهد هزيمتها في حرب الجبل، وصعود نجم سمير جعجع. آلان مينارغ يواصل استعادة تلك المرحلة العكرة من التاريخ اللبناني المباشر 
أوّل كانون الثاني/ يناير 1983 دعا وليد جنبلاط بعض الضيوف إلى الغداء في مطعم «المندارين» في بيروت الغربية، احتفالاً ببدء العام الجديد. حول المائدة الأميركيان موريس درابر وروبرت ديلون، ومستشاره مروان حمادة وصهر هذا الأخير غسان التويني، منسق المفاوضات الإسرائيلية اللبنانية مع أمين الجميّل. دار الحديث حول الحوار بين تل أبيب وبيروت الذي ستعقد جولته الثالثه في الغد في خلدة. وقد ألحّ الأميركيان على إجراء تقارب بين الزعيم الدرزي والرئيس اللبناني، لكن ظل جنبلاط ثابتاً لا يتزحزح. وأثناء تناول القهوة، أُحيطت سفارة الولايات المتحدة علماً بالقدوم المرتقب لشارون إلى بيروت حيث ينبغي أن يعقد مؤتمراً صحافياً.
لدى خروج وزير الدفاع من الاجتماع الأسبوعي للوزارة الإسرائيلية في الصباح ذاته، كرر هجومه على واشنطن، مؤكداً أن الولايات المتحدة مسؤولة عن الموقف الصلب الذي يعتمده لبنان، قبل أن يذكر أنه يعتبر أن الوفد الأميركي إلى المفاوضات الإسرائيلية ـــ اللبنانية هو مجرد مدعوّ، ثم أن يخلص إلى أن واشنطن تحرص على أن تتابع (عبر هذه المفاوضات) الأهداف المرسومة في مخطط ريغان.
فكّر موريس درابر أن الفرصة مناسبة للقاء شارون والإفادة من وجوده في العاصمة اللبنانية. نهض الرجال الخمسة عن المائدة في «المندارين». لقد توقف المطر، لكنّ ريحاً جليدية كانت تهب على بيروت. هنالك موجة من البرد تغطي لبنان منذ 24 ساعة. فطرقات الجبل مقطوعة بسبب الثلج، وطرقات الوادي غارقة تحت برك واسعة من المياه.
تبادل اللبنانيون والأميركان التحية على الرصيف، وحرسهم الشخصي يحيطون بهم، من غير أن ينتبهوا إلى سيارة حمراء فاقعة اللون، ملأى بالمتفجرات، مصفوفة أمام مدخل المطعم تماماً. أما الرجل الذي كان على سطح مجاور، وهو يمسك بيده جهاز التحكّم عن بعد لتفجير تلك الآلة الجهنمية، فقد راقب المجموعة تتفرّق، من دون أن ينفّذ الأمر. بعدها بسنوات اعترف إيلي حبيقة لوليد جنبلاط، أثناء عشاء المصالحة الذي أقامه وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام (حسب ما قاله وليد جنبلاط لآلان مينارغ): لقد ألغيت الأوامر في اللحظة الأخيرة لأن ديلون ودرابر خرجا معاً في الوقت ذاته. كذلك باح له قائد جهاز الأمن بأن اعتداءً آخر قد نظم ضدّه، بعد ذلك ببضعة أسابيع على شكل قذيفة مضادة للدبابات على مسار الدامور ــــ كفرحيم، لكنّه لأسباب مجهولة، نظام التفجير لم يعمل أثناء مرور سيارته. إن «نصائح» ميئير داغان قد جرى أُصغي إليها.
على الرغم من أن عناصر الميليشيا المسيحيين والدروز كانوا مشغولين في تلك الفترة، بالكفاح ضد الثلج والبرد، أكثر منهم بالقتال، فإن الوضع في الجبل ظل متوتراً. فصوت الأسلحة يسمع بانتظام في التجمعات السكنية مثل عاليه، أو على «خطوط الجبهة» كتلك التي تفصل بين سوق الغرب وعيتات.
لقد انجز قائد «القوات» في مطلع كانون الثاني/ يناير إعادة تنظيم الانتشار العسكري في الشوف. إنه يرتكز من الآن فصاعداً على الدفاع عن القرى المسيحية اعتماداً على سكانها.
وجرى إنشاء ثلاث مناطق. فتولى سمير جعجع إدارة المنطقة الشرقية (صوفر ـــ عاليه ـــ بيت الدين)، وأوغوستين تيغو (ولقبه تيتو) منطقة الوسط (عاليه ـــ سوق الغرب ـــ الشويفات). أما جو إده، وهو الرجل الذي تولى إدارة المقاومة في زحلة، فقد عين مسؤولاً عن المنطقة الجنوبية التي تبدأ من خلدة لتصل إلى صيدا.
إن المعضلة الأولى التي وجبت عليهم مواجهتها هي فقدان «الحافز» لدى المسيحيين المقيمين في الشوف. وقد كان عدد كبير منهم من أنصار كميل شمعون، وكانوا أعضاءً في الحزب الاشتراكي الديموقراطي. أما الصعوبة الثانية، وليست أقلّ أهميّة من سابقتها، فكانت تصميم أمين الجميّل المعلن من جديد، على إرغامهم على إخلاء بيروت الشرقية، وعلى استعادة الحوض الخامس من مرفأ بيروت. كان ذلك الرصيف البحري يقع مباشرة وراء مقر القيادة العامة للقوات اللبنانية، ما يتيح للتجار أن يستوردوا البضائع وأن يدفعوا للميليشيا المسيحية (ضريبة تقل بمقدار 40 في المئة عن رسوم الجمارك المحددة من قبل الدولة). وكان هذا «الاقتطاع» يشكل 80 في المئة من عائدات «القوات».
في 4 كانون الثاني/ يناير 1983 استدعى أمين الجميّل فادي أفرام، فتوجه هذا الأخير إلى القصر الرئاسي بصحبة أنطوان بريدي (توتو) وفؤاد أبو ناضر. كان بريدي المفتش العام للقوات اللبنانية، ويعتبر، بهذه الصفة الرجل الثاني في القوات، لكن بصورة غير رسمية. وجاءت تسميته في منصب المسؤول عن منطقة الاشرفية (خلفاً لجان نادر الذي قتل في الاعتداء على بشير)، فقد لتسبغ عليه هيبة سياسية واسعة لا جدال فيها. وكان المذكور على صلة وثيقة جدّاً بأفرام، إذ قام الاثنان، وسط سريّة تامة، بإعداد المخطط المخطط (م)، وهو الوجه اللبناني لعملية «سلام الجليل».
أما فؤاد أبو ناصر، قائد أركان الميليشيا، فهو زوج أخت فادي أفرام، وهو خصوصاً حفيد بيار الجميّل. كان أفرام يحرص حرصاً مطلقاً على إشراكه في المناقشات مع خاله أمين. يتمتع فؤاد، بوصفه عضواً في العائلة، بوزن لا ينكر ضمن صفوف القوات اللبنانية. وكان يعارض معارضة تامة كل تباعد بين حزب الكتائب والميليشيا المسيحية ويفعل كل شيء في سبيل تقاربهما. 

استقبل أمين الجميّل ضيوفه بابتسامة عريضة، وباح لهم وهم يتناولون القهوة ـــ وأبو ناضر يشرب الشاي ـــ بأنه قد توصل إلى اتفاقية مكتوبة مع شارون في إشارة منه لأول مرة، للنص الذي تفاوض عليه سامي مارون في تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر 1982. وأكّد لهم قائلاً:
ـ كان لهذه الاتفاقية أن تظل سراً، لكن شارون أذاعها على الملأ فتعرضت لضغوط كبيرة من قبل العرب. لن أستطيع مواصلة النقاش معهم على الرغم من أن الأميركيين يدفعونني إلى ذلك.
وذكره فادي أفرام:
ـ حين جاء شارون إلى هنا في كانون الأوّل/ ديسمبر 1982، قال لنا إن عملية «سلام الجليل» ستجري بمشاركتنا أو من دوننا. ولقد أكّد بإصرار على أن هذه العملية ستفرض علينا بعض المسائل، وانه لن يعود بوسعنا اللعب على أكثر من حبل، وأن علينا أن نتخذ موقفاً واضحاً حيال اسرائيل.
استبعد أمين الجميّل الملاحظة بحركة من يده، ثم تصدى لموضوع انتشار الجيش اللبناني في بيروت الشرقية، وهو يوضح مطولاً أن هذا القرار صادر بناءً على «إلحاح دولي» من غير أن يذكر أيّة تفاصيل.
فسأله فادي أفرام:
ـ هل ينبغي للجيش أن ينتشر لاحقاً في مناطق أخرى، أم أن الهدف من هذه العملية مقتصر فقط على أن يحل محل القوات اللبنانية؟
هنا ثارت ثائرة الرئيس، من غير أن يجيب عن السؤال:
ـ لا تعاندوا لأنكم ستصبحون عائقاً كما كان الفلسطينيون.
ثم طالب بإيضاح مكتوب لمواقف القوات اللبنانية، ووضع حداً للقاء.
ما إن عاد قائد «القوات» إلى مكتبه، حتى طلب إلى إيلي حبيقة مضاعفة الاتصالات مع الضباط المسيحيين داخل الجيش، والحرص على تسمية المقربين إلى القوات اللبنانية في مناصب مفصلية.
في الأيام الأولى من كانون الثاني/ يناير 1983 وزع الإسرائيليون وحدات «ياكال» (اختصار لـ«يخيدا كيشوك ليبانون»، أي وحدات الاتصال الإسرائيلية في لبنان). لم يكن مساعد داغان سوى العقيد أريتس شايكي الذي يعرفه كوادر القوات اللبنانية حق المعرفة. فمعظمهم كان قد اتبع في مستعمرة شيفاييم، شمال تل أبيب على طريق حيفا، دورات القيادة العليا للعلوم العسكرية «بوم» التي كان شايكي يشرف عليها مباشرة، وهي دورات تدريب وتأهيل نسجت روابط وثيقة جداً بين قيادات الميليشيا المسيحيّة ومدرّبيهم. العقيد أريتس شايكي ناحل إلى حد الهزال، أشيب الشعر، ذو قيافة شرقية مضحكة، تزيدها اكتمالاً لغته العربية الممتازة. ولقد ترك أطيب الأثر في نفوس كل من مرّ تحت إمرته من كوادر القوّات.
كان الـ«ياكال» يتألّف من قسمين: جنوب لبنان، وهو القطاع ذو الحساسية الخاصة بالنسبة إلى الإسرائيليين، وقطاع الشوف. وكان ذلك التقطيع يعتمد على واقع دقيق جداً بالنسبة إلى تل أبيب. أما وأن الجنوب ذو أكثرية شيعية، فكان منهج «ياكال» قد وضع في الحسبان ترجيح الإبقاء على «منطقة أمنية» حدوديّة، يؤدي فيها «جيش لبنان الجنوبي» بقيادة سعد حداد، دوراً خاصاً في حال فشل المفاوضات. علماً بأن ثقة الإسرائيليين بفضائل الحوار، كان قد ضعفت بشكل ملحوظ. أما الشوف، فكان من ناحيته ورقة سياسية حيال السلطة اللبنانية، ولم كان في نية الإسرائيليين البقاء فيه بأي ثمن. كان مسؤول «ياكال» في الشوف، هو العقيد الركن إميل شربيط، وهو رجل شديد السمرة، يتقن العربية والفرنسية اتقاناً تاماً. وقد أقام هيئة أركانه في قرية ضهور العبادية.
وإذا كان قادة القوات اللبنانية قد استقبلوا بتفاؤل نبأ تعيين داغان وشايكي على رأس ذلك التنظيم، قد غيروا رأيهم بسرعة قصوى، بدءاً من يوم 6 كانون الثاني/ يناير. في ذلك التاريخ، استقبل فادي أفرام وهيئة أركانه في «الكرنتينا»، كلاً من داغان وشايكي وشربيط وأمنون، وهو ضابط الاتصال التابع للموساد، والمكلف تدوين محضر الاجتماع. أعلن الجنرال الإسرائيلي:
ـ سوف أقول لكم بعض الأشياء التي تروقكم، ثم نناقشها.
وشرح لمحاوريه المصعوقين، طوال عشرين دقيقة، أن إعادة النظر في دور وليد جنبلاط في الشوف، لم يعد مطروحاً على جدول الأعمال. وإذا كان الهدف الأوّل للزعيم الدرزي يتمثل في تغيير النظام السياسي اللبناني، اعتماداً على الحزب التقدمي الاشتراكي، فإن الإسرائيليين غير معنيين بالأمر على الإطلاق.
وأضاف داغان:
ـ ومن جهة أخرى، فإن هذا الحزب يتوافر لديه المال. وإذا استمر الوضع الراهن على حاله، فإن الدروز سوف يتفاهمون مع الشيعة، وذلك ما ينبغي تفاديه بأي ثمن.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن أوري لوبراني بذل كنوزاً لا تقدّر بثمن من الأناة والدبلوماسية، لإقامة اتصال بين مسؤولي «ياكال» والدروز اللبنانيين، فالتقريب ما بينهم. وكان أوري لوبراني، الرجل الذي «تفاوض» مع سامي مارون حول اتفاقية 13 كانون الأول/ ديسمبر 1982، والذي «لا يفكر إلا في مصالح إسرائيل، حتى لو اضطره الأمر إلى أن يطأ جسد أبيه أو أخيه»، كما قال أحد أعضاء الوفد الإسرائيلي لآلان مينارغ، كان قد بدأ يعمل في الظلّ، منذ قرابة شهرين، على الملف اللبناني.
ثم واصل ميئير داغان القول:
ـ لقد توصلنا إلى تحالف مع الدروز. واستدرك مخفّفاً من وقع كلامه: صحيح أنه ليس على الدرجة ذاتها من قوة تحالفنا مع الموارنة! كما فعلنا كل ما وسعنا، صادقين، لتقريبكم منهم أيضاًَ. لكن ما من فائدة ترتجى في هذا السياق! لو كان أمين أكثر تعقلاً… لو أن الأميركيين لم يمضوا الوقت في دسّ أنوفهم هنا وهناك… لكان الأمر مختلفاً. فالدروز يعتبرون في الوقت الراهن، أنكم عازمون على مواصلة المعارك، وتسمية سمير جعجع قد أقلقتهم. أما بعد، فأنا أكلمكم بوصفي ممثلاً لدولة إسرائيل: لا تسحبوا قواتكم من الشوف! بل لا تفكروا في ذلك! لقد أخذناكم إلى هناك، لتبقوا هناك. لكنني أقترح عليكم أن تبادروا إلى رفع مراكز مراقبتكم كافة عن الطرق. وأوقفوا سريعاً كل ما من شأنه أن يكون سلبياً بالنسبة إلى الدروز. إن أوامر حكومتنا بسيطة: ينبغي إعادة الهدوء إلى الشوف.
أما إميل شربيط، مسؤول «ياكال» في منطقة الشوف، المعروف بقربه الشديد من الدروز، فأضاف قائلاً من غير أن يرفّ له جفن:
ـ لا ينبغي للدروز أن يدلوا بتصريحات ضدّنا، فنحن نسعى إلى أن نجعل منهم أصدقاء. لا أعتقد أن ذلك ممكن تماماً في الوقت الحاضر، غير أننا نقوم بتهدئتهم على الأقلّ.
كان محدثوه مصعوقين ومذهولين، فلم يبدر عنهم أي ردّ فعل. قام أبو ناضر بمحاولة فقال:
ـ جعلنا ممثلكم في إسرائيل نسمع، بصورة غير رسمية، أن المفاوضات بين بلدينا إذا لم تنجح، فسوف يكون هنالك سلام متقطع يؤدي إلى إقامة كانتون درزي وكانتون مسيحي وكانتون شيعي.
فقاطعه ميئير داغان بجفاء:
ـ لا أذكر أن مناقشة من هذا النوع جرت بحضوري.
ثم انتقل، دونما تمهيد، إلى ذلك الوضع في جنوب لبنان، حيث صار الشيعة أكثر فأكثر تقبلاً للأفكار التي طورتها الحركات الإسلامية الأصولية المدعومة من إيران. أكد الجنرال الإسرائيلي:
ـ إن حركة أمل تعتقل الأصوليين وتسلمنا إياهم.
فعلق إيلي حبيقة بارتياب:
ـ أشك في أن تكون لديهم القدرة اللازمة على القيام بعمل مجدٍ. (…)
بدأت «القوات» تعي شيئاً فشيئاً أنها أمام خطر كبير، قد تدفع ثمن سلام بين بيروت وتل أبيب. ذلك أن الصلات بين الحكومتين سوف تحكم عليها بتهميش دائم، وبالتالي بنهاية علاقاتها مع إسرائيل. وفضلاً عن ذلك، فإن توقيع تلك الوثيقة ستجعل لبنان يخسر، بحكم الأمر الواقع، جزءاً من أرضه لا يزال تحت الرقابة السورية، أي البقاع الذي سيصير، بردّ فعل، «ملحقاً» من قبل دمشق. وكانوا يعرفون، بخلاف ذلك، أن المفاوضات إن لم تؤد الى نتيجة، فإن الميليشيا لا تعود تمثل ورقة رابحة بيد الإسرائيليين. ولسوف يفضلون الالتفات نحو «شركاء» من شأنهم ان يقدموا لهم دعماً مجدياً في «المنطقة الأمنية» في جنوب لبنان». (…)
وخرجت المفاوضات الاسرائيلية اللبنانية من الطريق المسدود كأنما بسحر ساحر. ووضع جدول أعمال بسهولة مدهشة، كذلك نظمت المقترحات الإسرائيلية واللبنانية كافة، بما فيها النقاط المتنازع عليها، تنظيماً بسيطاً ضمن الوثيقة ذاتها. وكانت تلك هي «المخلوطة» التي اقترحها أنطوان فتّال.
وفي 17 كانون الثاني/ يناير 1983 أقبل أفنير أزوالي رئيس فرع الموساد في لبنان، ليبلغ فادي أفرام بتغيير جذري في موقف تل أبيب حيال أمين الجميّل. إن الإسرائيليين، بعد التدخل السوفياتي إلى جانب دمشق، يقبلون بمرور الاتصالات مع الرئيس اللبناني عبر الأميركيين فقط، بل يقبلون فوق ذلك بالتخلي عن صيغة اتفاقية سلام لمصلحة صيغة «انهاء حالة الحرب» بين لبنان واسرائيل. (في نهاية المطاف) قرّر فادي أفرام، أن يستقيل من وظائفه كافة. واعتبر أن بوسع شخص آخر أكثر قرباً إلى بيار الجميّل أن يتمكّن من العثور على حلّ (بشأن مستقبل «القوّات»). ولم يشأ على كل حال أن يتحمل المسؤولية عن حل القوات اللبنانية، في حين أنه قبل أقل من أربعة أشهر انتُخب على رأس هذا التنظيم من أجل ذلك تحديداً. 
من «أسرار حرب لبنان (٢)»، (بالفرنسيّة والعربيّة، المكتبة الدوليّة ـــ بيروت). يوقّع المؤلّف آلان مينارغ كتابه في مقرّ المكتبة في بيروت، مبنى الجيفينور (القسم D)، مساء الجمعة ٢٨ الجاري ابتداءً من السادسة مساء. 
________________________________________
يوم راهن أوري لوبراني على الورقة الشيعية 
لئن كانت القوات اللبنانية قد حافظت، عاطفياً، على كامل الودّ حيال «العائلات الشيعية التقليدية القديمة» التي دعمت بشير الجميّل أثناء الانتخابات الرئاسية، فإن الإسرائيليين، ولا سيما أوري لوبراني، وهم الأكثر براغماتية، قد قرروا من جانبهم المراهنة على الورقة الشيعية الجديدة. ذلك أن «أمل»، من ناحية أولى، حركة حسنة البناء، ولا سيما في الجنوب. ولأنها لم تكن، من ناحية أخرى، معادية للدولة العبرية، من غير أن تقول ذلك بصورة حاسمة، فضلاً عن أن بعض سكان الجنوب استقبلوا الجنود الإسرائيليين استقبال محررين، ناثرين عليهم الرز والأزهار في الأيام الأولى من عملية «سلام الجليل». وأن بعض أبناء هذه الطائفة كانوا يقيمون أحسن العلاقات التجارية سراً مع إسرائيل. ولقد بدا لهم بري «قابلاً للكسب»، رغم أن تأثيره في الجنوب لم يكن كافياً للسماح بمراقبته. كانت ملاحظات التقويم المتعلقة به توضح أنه خدم في الجيش الأميركي، وأن زوجته الأولى وأولاده يقيمون في الولايات المتحدة، حيث له مصالح مالية. كذلك فإن محمد غدار، وهو أحد المسؤولين العسكريين في حركة «أمل»، قد خضع في الفترة الأخيرة، لدورة مشاة في «فورت بيننغ»، ولم يكن وحيداً. إذاً كان بوسع الميليشيات الشيعية في حركة «أمل» أن يصبحوا حلفاء، لكن الصعوبة الوحيدة تمثلت في التوصل إلى التفريق «بين القمح والزؤان». فقد كان الموالون لإيران والخمينيون، يعادون إسرائيل عداءً شرساً، وهم بقيادة منشق عن حركة أمل، اسمه حسين الموسوي، الذي احتفظ لنفسه برصيد أكيد داخل حركته الأصلية.


No comments:

Post a Comment

Archives